الاثنين، 16 أكتوبر 2017

مقدمة في تاريخ السينما السودانية





ادراك

قليل من الناس والمهتمين بالسينما الذين من الممكن ان يتحدثوا معك عن "السينما السودانية" حيث ان هذا الفن مر بظروف عصيبة في السودان خصوصا في ظل حكم "الانقاذ" وتعد هذه المقالة مساهمة من مركز ادراك للدراسات الانسانية لمحاولة فتح هذا الملف والكتابة فيه، خصوصا ان هناك بعض الشباب الذين تدربوا على صناعة السينما في مصر والامارات يريدون النهوض بهذه الصناعة مرة أخرى.
يعتبر الفيلم السويسري التسجيلي للمخرج السويسري د.م.دافيد أول فيلم يصور في السودان عام 1910 م عن رحلة صيد قام بها المخرج والذي تم عرضه بعد عامين بمدينة الأبيض كأول مدينة تشهد عرضاً سينمائياً في السودان أمسية الثلاثاء 27 فبراير 1912 م بحضور هربرت كتشنر،ليؤرخ بداية السينما في السودان.
وتاريخ السينما في السودان تاريخ عريق تعود جذوره إلى أوائل القرن الماضي بعد سنوات قليلة من اختراع السينما، حيث كان وراء مقهى الخواجة لويزو في مدينة أم درمان حوالي 1913 م أناس يشاهدون السينماتوغراف عندما كانت مجرد مناظر وصور للتسلية والفرجة، تعرض أمام قطعة من القماش الأبيض بواسطة جهاز أطلقوا عليه الفانوس السحري. وقبل دخول العشرينات من القرن الماضي اتسعت حركة المشاهدة السينمائية وشاهدت الجماهير السينما المتجولة في المدارس والميادين العامة، وانتهى عقد العشرينيات بإنشاء أول قاعتين للعرض السينمائي بالخرطوم وهما سينما الجيش (النيل الأزرق فيما بعد) وسينما اسكتنج رنج (كلوزيوم) فيما بعد.
وعن بدايات السينما السودانية قال عميد كلية تنمية المجتمع بجامعة وادي النيل دكتور هشام محمد عباس الذي قام بدراسة تحليلية للفيلم السينمائي الروائي الأول (آمال وأحلام) الذي عرض لأول مرة في 18 /8 /1968م قال لصحيفة (المجهر): إن كتاب (السينما في السودان ماضيها وحاضرها ومستقبلها)الذي قام بتأليفه رائد السينما السودانية الأستاذ كمال محمد إبراهيم يعتبر من أهم المراجع في تتبع البدايات الأولى للسينما في السودان، حيث ذكر أنه جاء في مذكرات السير ستيوارت سايمز الحاكم العام للسودان في الثلاثينيات في مؤلفه(Tour of Duty جولة عمل) إن أول عرض سينمائي في السودان تمّ بتوجيه اللورد كتشنر عندما كان في زيارة للسودان في مهمة رسمية عام 1911م، وكان ذلك الفيلم إخباري قصير صامت تمّ عرضه في مدينة الأبيض ضمن الاحتفالات التى أقيمت بمناسبة إكمال مد خط السكة الحديد إلى هناك.
وأضاف هشام:” هذا لا يعني البتة أن ذلك التاريخ كان بداية للعروض السينمائية في البلاد، غير أنه كانت تقام عروض لأفلام صامتة بعد منتصف العشرينات على سينما (سكيتنج رنك) بالخرطوم لصاحبها (عما نويل ليكوس) اليونانى الجنسية ولمشاهدة الأفلام الأمريكية.
وقال دكتور هشام يمكن اعتبار الثامن عشر من فبراير من كل عام عيداً للسينما الوطنية السودانية حيث شهد ذلكم اليوم أول عرض للفيلم السينمائي (آمال وأحلام) بالمديرية الشمالية وتعتبر مدينة عطبرة أول مدينة عرفت دور السينما في السودان.
وعلى الرغم من العلاقة القديمة مع السينما فإن السودان أنتج فقط خمسة أفلام روائية هي (آمال وأحلام) للرشيد مهدي و(تاجوج) لجاد الله جبارة، و(يبقى الأمل) لشركة عليوة و(رحلة عيون) لأنور هاشم و(بركة الشيخ) لمصطفى إبراهيم وكان يمكن (لعرس الزين) أن يكون الفيلم السادس لولا أن الإنتاج غير سوداني (كويتي).
فقد نشئت أول وحدة لإنتاج الأفلام في السودان في عام 1949، وهي مكتب الاتصالات العام للتصوير السينمائي الذي اقتصر إنتاجه على الأفلام الدعائية، وجريدة نصف شهرية، وكان هذا الإنتاج خاضعاً لسلطات الاستعمار البريطاني.
وعندما استقل السودان عام 1956، كان عدد دور العرض 30 داراً، وبعد ثورة 25 مايو 1969، آلت عملية الاستيراد والتوزيع إلى الدولة، وأنشئت مؤسسة للسينما باسم مؤسسة الدولة للسينما، تتبع وزارة والثقافة الإعلام، ولكن التأميم لم يشمل دور العرض التي وصل عددها إلى 55 داراً. كما امتلكت المؤسسة سيارة سينما، ووحدتين للوسائل السمعية البصرية بوزارتي التربية والتعليم، والزراعة والري، وحتى الآن اقتصر إنتاج المؤسسة على الأفلام التسجيلية والقصيرة، بمتوسط عشرة أفلام في السنة.
ويلاحظ أن الأفلام التي أنتجت منذ بداية الخمسينيات حتى الآن، ليس من بينها سوى فيلمين أو ثلاثة تنطوي على محاولات جادة، فالسينما تربية للنشئ، ومعالجة لمشاكل الناس.
وجرى التركيز على السينما التسجيلية دون الروائية، ومن المحاولات التسجيلية الجادة في السينما السودانية فيلم "الطفولة المشرّدة" الذي يعالج مشكلة الأطفال الذي ينزحون من الريف إلى المدينة، ويجدون أنفسهم غير قادرين على الانسجام معها، فيقعون فريسة الانحرافات كالسرقة وغيرها، وأخرجه كمال محمد إبراهيم، وتمّ إخراجه بعد الاستقلال أي بين عامي 1956و1957، ثم أُخرج فيلمٍ آخر في هذا الاتجاه هو فيلم "المنكوب"، وصوره المصور السينمائي السوداني جاد الله جبارة. ولكن أكثر الأفلام التسجيلية كانت عن النشاط الحكومي الرسمي وإنجازاته دون أن تحمل أية معالجة سينمائية فنية متميزة، بدليل أن المخرج إبراهيم شنات الذي تخرج عام 1964 بعد أن درس السينما في ألمانيا الديموقراطية ، حاول إنتاج أفلامٍ تسجيلية خارج هذا الإطار الرسمي ففشل بسبب التعقيدات الروتينية.
كان السينمائيون السودانيون الجدد قد بدؤوا يطرحون بعد عام 1967 شعار إحلال الفكر محل الإثارة، وفي تلك المرحلة بدأ نشاط ثقافي واسع في جامعة الخرطوم حيث تشكَّل مسرح سمي بجماعة المسرح الجامعي، وأسس نادى سينمائي وفرق للفن الشعبي مما شجع عدداً آخر من الشبان السودانيين على السفر إلى الخارج ودراسة السينما والمسرح دراسة متخصصة، ومن هؤلاء: سامي الصاوي الذي درس في معهد الفيلم البريطاني في لندن، ومنار الحلو، والطيب مهدي، اللذان درسا التصوير في رومانيا، وسليمان نور، الذي درس على يد السينمائي التسجيلي الكبير رومان كارمن وتخرج من معهد السينما في موسكو عام 1979. وكانت لدى هؤلاء الشباب إرادة صنع سينما تسجيلية حقيقية مرتبطة بحياة الناس.
ومن هنا بدأت تبرز مسألة سينما جديدة، أو بالأحرى بداية جادة لسينما تسجيلية، ولكن ما جعل هذه المحاولة ناقصة هو الروتين بين العاملين بين قسم السينما، وبين الإنتاج السينمائي، الذي يمتلك الإمكانات الفنية، بالإضافة إلى تعدد الجهات التي تتحدث باسم السينما. وقد جرت أول محاولة لإنتاج فيلم روائي طويل عام 1970، وهو فيلم "آمال وأحلام" إنتاج الرشيد مهدي وإخراج إبراهيم ملاسي، وقام بالمحاولة الثانية أنور هاشم الذي أنتج وأخرج فيلم "شروق" عام 1973.
أما قسم السينما في وزارة الثقافة فقد أنتج فيلمين فقط خلال السبعينيات، وهما فيلم "دائر على حجر" من إخراج سامي الصَّاوي، ويتناول حرفة يدوية في طريقها إلى الانقراض، وهي صناعة حجر الطاحون. وفيلم "أربع مرات للأطفال" من إخراج الطيب مهدي، ويعالج مشكلة الأطفال المعوقين.
وفي السودان مجلة سينمائية دورية تصدر كل أربعة أشهر، وتهتم بشكل خاص بالمادة السينمائية السودانية، بالإضافة إلى موضوعات السينما في الوطن العربي وفي العالم. ومن الأفلام السودانية التي نالت جوائز في المهرجانات فيلم "ومع ذلك فالأرض تدور" للمخرج سليمان النور، الذي نال إحدى جوائز مهرجان موسكو الحادي عشر في مسابقة الأفلام التسجيلية، وللمخرج نفسه فيلم آخر مميز باسم "أفريقيا".
مؤخراً بدأت نهضة سينمائية في السودان ، وهي في الفترة من منتصف التسعينات و كانت قمتها في مهرجان الخرطوم للسينما المستقلة 2014 والتي أنتج عدداً من السينمائيين السودانيين الشباب : أمجد ابو العلا، احمد شاويش، طلال عفيفي، وآخرين تدربوا بين في معاهد خارج السودان الإمارات و مصر وآخرين تدربوا في ورشات المعهد الألماني (جوتة) في ورشات سينمائية مختلفة.
ويدعو مركز ادراك للدراسات الانسانية الكتاب العرب عامة والسودانيين على وجه الخصوص بالكتابة حول هذا الموضوع وتسليط الضوء على المخرجين الشبان.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق