حازم حسين يكتب: شيرين عبد الوهاب.. اعتذار مقبول أيها المتطهرون - ادراك

بحث في الموقع

https://idrak4.blogspot.com.eg/

أخر الأخبار

Printfriendly

الأربعاء، 15 نوفمبر 2017

حازم حسين يكتب: شيرين عبد الوهاب.. اعتذار مقبول أيها المتطهرون


حازم حسين


خطأ أعتقد تماما أنه عابر، تكررت أخطاء شيرين عبد الوهاب ولكنها جميعا عابرة وغير مقصودة، جانب منها يعود لطفولية ما تسيطر على شخصيتها، وجانب تصنعه الغيرة، وربما تتصل جوانب أخرى بالتحصيل الثقافي أو القفزة الاجتماعية غير المصحوبة بقفزة معرفية ونفسية موازية، ولكن السيدة الثلاثينية جميلة الصوت ومحدودة الدماغ ليست سيئة النية ولا أقل منكم وطنية.
انتقدت شيرين من قبل لموقفها المراهق من عمرو دياب، ولمزحتها السخيفة في تونس، المرة الأولى كانت محبة في مشروع عمرو ونجاحه الاستثنائي، واستهجانا لغباء التورط في مشاحنة شخصية مع منافس في المجال نفسه، سواء كان أعمق تجربة وأقوى تأثيرا أو لا، وفي الثانية كانت محبة لبلد شقيق يمتلئ قلبي بهواه ولم أزره، وخوفا من أن يحسب التونسيون سخافة شيرين على مصر فتتوتر علاقات بلدين وشعبين بسبب غِرّة محدودة الوعي، ولكن في هذه المرة لا أشعر أنها تستحق ما لاقته من انتقاد وهجوم وسفالة وسباب صنعها مستأسدوا السوشيال ميديا، وشعرت أنها مظاهرة تطهر غير مقنعة.
حينما وصلت الجورنال صباح اليوم، وحكت لي إحدى الزميلات ما حدث وأن شيرين أتبعت مزحتها السخيفة بنصيحة «اشربي إيفيان» ضحكت وقلت: «المستفز إنها ما قالتش صافي أو بركة، وبتحرق دمنا بنوع مية 90% من المصريين مش هيعرفوا يشربوه» وتجاوزت الحكاية، ولكن للحقيقة دعوت لها في خاطري، ليقيني أن مخالب لا حصر لها سينشبها أصحابها في لحمها اليوم.
هل تعمدت شيرين أن تذكر إيفيان تحديدا كنزوع طبقي طارئ؟ أم أنها ذكرتها كون الحفل في الشارقة وهذا النوع من المياه الطبيعية شائع الاستخدام بالإمارات؟ وهل لو قالت صافي أو بركة أو نستله كانت مزحتها ستصل كما تخيلتها؟ أعرف أنك تستغرب هذه الأسئلة السخيفة في هذا المقام الذي تراه جللا، ولكن صدقني السخافة الحقيقية أن تتخيل أن البنت المسكينة كانت تتعمد إهانة مصر وأن تسن عليها سكاكينك!
طوال اليوم أتجول في «فيس بوك» متابعا الحفلة والمولد المنصوب على مغنية، لم تدّع يوما أنها أكثر من مغنية، والغريب أن من أشعلوا الحفلة وأكثر الناس مساهمة فيها من يسبون مصر ليل نهار على السوشيال ويدعونها «ماسر» ويستكملون قصائد مدحها بتعبيراتهم الكليشيهية «كسم مصر» و«يلعن دين مصر» و«يا رب نخلع من دين أم دي بلد» وفضلا عن أنهم حرموا شيرين مما أجازوه لأنفسهم، فإنهم تجاهلوا أن لها في عبارات المحبة رصيدا، ولو كانت أغنيات مصنوعة بركاكة، ورصيد المحبين - في عُرف العدول - لا يسقط بـ«زلة لسان».
كنت أتوقع أن يكون الخلاف على خفة ظل شيرين أو ثقله، على ظُرف الإيفيه أو سماجته، على ملاءمة السياق أو مخالفته، ولكن ليس على وطنية أو خيانة، هذا تزيّد ما بعده تزيّد، حاولت شيرين المزاح وأخفقت، هذا كل ما في الأمر، وجميعنا نستهجن سوء حال النيل ليل نهار، رئيس الدولة قال في بلد أوروبي إن حالنا ليست على ما يرام، وحضرات الثوار على شيرين يقضون حاجاتهم ويلقون زبالتهم في النيل، فهل نحن أكثر إهانة له أم شيرين؟
هل تعرف كيف يتعامل الفرنسيون مع «إيفيان»؟ نبعة الماء التي صنعت بلدا وأصبحت شريانا مقدسا طوال 194 سنة، منذ هبط رجل اسمه «فوكونت» البلدة الريفية الفقيرة التي تحمل الاسم نفسه على الجانب الشرقي من بحيرة ليمان، الواقعة بين فرنسا وسويسرا، في العام 1823، وأقنع أسرة «كاتشات» التي تملك نبعة ماء طبيعية باستغلال هذا المورد، فكانت زجاجات «إيفيان» المميزة التي لم تتوقف تعبئتها طول ما يقرب من قرنين، ولم تسمح فرنسا بتعطل خطوط إنتاجها في أحلك فتراتها، مرورا بحربين عالميتين، حتى أصبحت أشهر وأغلى ماركة مياه في العالم، وصنعت بلدة جميلة ووديعة في حضن جبال الألب، بعدما كانت بلدة ريفية فقيرة ومهملة، فهل نحترم النيل كما يحترم الفرنسيون إيفيان حتى نزايد على سيدة وصفت ما نفعله به؟
الإهانة الحقيقية لمصر في تصوري أن ترد نقابة المهن الموسيقية على خطأ شيرين بخطيئة، وأن تقرر حرمانها من تصاريح الحفلات، ما يُعني حرمانها من الغناء، وأن يقرر اتحاد الإذاعة والتليفزيون منع أغنياتها، وهذا من قبيل رد الطيش بالطيش، ولا أراه إلا سخفا وقلّة عقل ورسالة خارجية تحمل إهانة حقيقية وقوية لمصر، ربما تتجاوز أثر ما رأيتموه إهانة في دعابة شيرين السمجة، فلا يُوجد بلد عاقل يقوّض قواه الناعمة بهذه الحدّة ويُحاسبها بتلك الغلظة والعنف، إذا استثنينا بالطبع الحقبة المكارثية في الولايات المتحدة الأمريكية، ولا أعتقد أنكم تتعمدون استدعاء روح السيناتور جوزيف مكارثي لتفتشوا صدور الناس ونواياهم.
لو كانت قذارة النيل إهانة فإن اللوم واقع على من فعل به هذا، ولو كانت البلهارسيا عارا فجرمها معلق في رقبة من أصابنا بها، ولو كانت شيرين أخطأت في دعابة سمجة، فممارساتكم في أشغالكم وبيوتكم وعلى السوشيال ميديا ومواقع البورنو وتحرشكم بالنساء في الشوارع، هي ما يصنع صورة مصر ويهينها بالداخل والخارج، وليست دعابة عابرة من مطربة في حفل لا يتعامل رواده مع فنانتهم باعتبارها معادلا موضوعيا لمصر أو تكثيفا كاملا ووافيا لصورتها وشخصيتها ووعيها وحاضرها وتاريخها.
المهم أن الضحية سلّمت وأسلمت رقبتها للسكين، فقد أصدرت شيرين عبد الوهاب بيان اعتذار مساء اليوم، بيانا منكسرا ما كنت أحب لها أن تصدره، إذ أحسست بالضعف وقلة الحيلة والهوان على الناس وأنا أقرأه، واستشعرت كيف كانت حالتها وهي تُملي ما تضمنه على مستشارها الإعلامي، أو تسمعه منه وتُقرّه، المهم أن الحملة المقدسة آتت أُكُلها واستسلمت الفريسة لنهش السوشيال ميديا، وأقرت لكم ما رأيتموه وناضلتم في سبيل إثباته، وها قد نجحت مهمتكم المقدسة وكسرتم شيطانة كما يليق بملائكة، بعدما عيّرتموها بوضاعة الأصل والشبع بعد جوع، فهل تشعرون الآن بحمم الوطنية تتدفق في أدمغتكم وبأنكم قمتم بأدواركم المقدسة وأدّيتم ما عليكم للوطن؟
إن كان لي شخصيا عتاب على شيرين عبد الوهاب، فهو أنها تهدر صوتا عظيما في غناء تافه، ولم تسع - ولا يبدو أنها تواقة - لصنع مشروع حقيقي ولائق بهذا الصوت الرصين، وأنها ارتقت اجتماعيا بموهبة وجهد ولم تبذل منهما شيئا للارتقاء معرفيا وثقافيا، وأنها لم تلحظ حتى الآن أن موهبتها عارية، وإن كانت السماء منحتها وفرة في الموهبة وحرمتها حظا من الذكاء، فهذا في ذاته ليس مشينا، والشائن المشين ألا تسعى لتعويض هذا بالقراءة والمعرفة والتقرب ممن يفهمون ويُحسنون إدارة موهبتها.

لا تستأسدوا بالباطل، فهذه أخلاق ضباع، وارحموا شيرين في الأرض يرحمكم من في السماء.. ويرحمكم الوطن أيضا.
  • تعليقات المدونة
  • تعليقات الفيس بوك

0 التعليقات:

إرسال تعليق

Item Reviewed: حازم حسين يكتب: شيرين عبد الوهاب.. اعتذار مقبول أيها المتطهرون Description: Rating: 5 Reviewed By: تنوير
Scroll to Top