خالد الجندي وإفساد المصطلح العلمي.. ليس هكذا يكون نقد الخطاب الديني - ادراك

بحث في الموقع

https://idrak4.blogspot.com.eg/

أخر الأخبار

Printfriendly

الأحد، 30 سبتمبر 2018

خالد الجندي وإفساد المصطلح العلمي.. ليس هكذا يكون نقد الخطاب الديني



 الشريف منجود
قدم الشيخ خالد الجندي حلقة بعنوان "نقد الخطاب الديني"، وذلك في برنامجه "لعلهم يفقهون" الذي يعرض على قناة  DMC، مختصرًا ومعتبرًا أن "نقد الخطاب الديني" يتمثل في نقد فتاوى الشيوخ بل نقد فتاوى برنامجه وفتواه أيضا! وطلب من السادة المشاهدين أن يمارسوا معه هذا النقد الذي لا يخرج عن نطاق اتصال البعض وإبداء آراء فيما يحبون من فتوى وفيما يكرهون! وتحولت الحلقة إلى فضفضة ومدح للشيخ وبرنامجه وأسلوبه، وبعض قدم شكواه حول بعض الأمور التي تخص المرأة وطرح فكرة الطلاق الشفهي والتربية الدينية في المدارس وغير ذلك من أمور بسيطة كلها تخص نقد الفتوى كما أراد الشيخ خالد من الحلقة.
والعجيب في الأمر أن الشيخ والسادة المشاهدين اعتبروا ما يقومون به هو بالفعل نقد الخطاب الديني! وهو أمر يثير الشفقة على أهل العلم، إذ سطّح الشيخ هذا المصطلح المهم الذي أفنى كثير من الباحثين والفلاسفة حياتهم من أجل إظهاره ودراسته وتقديمه وشرحه والاستفادة منه في التنمية المجتمعية، هذا المصطلح والاتجاه العلمي الذي يعتبر أحد أهم منجزات الحداثة وأهم أعمدة بناء الحضارة الغربية الحديثة والذي عليه تعيش أوربا اليوم عصر ازدهار الفكر والعلم بعد عصور القمع والجهل.
وأعرف أن الشيخ خالد الجندي يدرك ما أقول، وإن لم يعلم فكان حريٌ به أن يعرف قبل أن يطرح ما يقول، إذ قام بتقليص المصطلح العلمي؛ ثم قلل من شأن ممارسة علمية لا يقوم بها إلا عالم يملك من أدوات "النقد" بمفهومه العلمي الذي يعني: إظهار الجوانب سلبًا وإيجابًا وكذا التحليل والخبرة ما يجعله يستطيع أن يقدم نقدًا للخطاب الديني.
إن نقد الخطاب الديني أيها الشيخ يعني باختصار نقد الأسس المنهجية التي بُنى عليها هذا الخطاب معناه، وطرح الأدوات التي بها تم إنشاء هذا الخطاب، وتفكيك لغته لإدراك ماهيته، وتقديم رؤية لمجريات فعل هذا الخطاب داخل الأنساق المجتمعية، واستخراج الأسلوب الذي به يستمد هذا الخطاب قوته وغير ذلك كثير، وليس مجرد نقد فتوى قيلت على لسان شيخ أو طرحتها مؤسسة، لأنك إذا قمت بنقد للخطاب من خلال ما سبق ستمر بماهية الفتوى التي قيلت وستعرف في أي سياق تؤثر، وهو ما يجب أن يتعلمه المشاهد.
إنني باختصار أود أن أقدم تمرسًا لنقد الخطاب الديني وأرجو ألّا أكون مخل في ضرب للأمثلة التي توضح كيفية أن يكون هناك نقدًا للخطاب الديني في صور أسئلة أسألها لك يا شيخ خالد ولغيرك ممن يُسمعون الناس أنهم ينقدون ويجددون الخطاب الديني :
هل يمكن أن تقوم بنقد أصول التشريع التي طرحها علينا الإمام الشافعي وأسس من خلالها أيديولوجيا إسلامية كفكرة "الإجماع" و"القياس" و"عمل أهل المدينة" وغيرهم والتي تقدم خدمة جلية للتيار السلفي؟ هل يمكن أن نسمع من فضيلتك نقدا  للإجماع وما أفسده من ثبات في الفتوى وأعطى فرصة لسيطرة الماضي على الحاضر رغم أن سيرورة الحياة تقتضي عكس ذلك؛ فصرنا نرجع إلى الخلف؟ هل يمكن مثلًا أن تقوم بنقد أفكار الإمام أبو حامد الغزالي وما قدمه من أطروحات عطلت العقل وما زالت، والتي أفسدت العقل الإسلامي؟ بل هل يمكن أيها الشيخ الأزهري أن تطرح علينا أفكار المعتزلة وما ذهب إليه الإمام محمد عبده في كتابه المهم "رسالة التوحيد" أو فيما قدمه من تفسير للقرآن، أو أفكار نحو التراث وغيره، وهو أمر ما يزال يرفضه الأزهر الشريف؟ هل يمكن نقد التراث، أي تراث، بما يحمله من أفكار تتعلق بمصطلح الحديث مثلًا وعلاقته بالخطاب الديني وكذلك مصطلح التفسير والتأويل؟ هل يمكن أن تنقد منهج الإمامين البخاري ومسلم في استخراج الحديث وظنية المتن وتماشيه مع القرآن أم لا، مع إدراكنا وإبراز مجهودهما العلمي الفريد في وقته، وتقديرنا لمكانتهم في قلوب الناس؟  هل يمكن أن نقد تراث التفسير السابق؟
هل يمكن أن يتم طرح أفكار مخالفة للمعروض ونقاشها وتدبرها لعلها تؤتي ثمار التغيير المرجو؟ هل يمكن أن تعرض وتناقش أفكار أبي العلاء المعري وابن الراوندي والتوحيدي وابن مسكويه وابن رشد وغيرهم، وهم أيضا سلفنا الصالح الذي نعهده؟ هل يمكن أن تطرح مقولات المعتزلة كما تطرح مقولات الأشاعرة والماتريدية؟
هل يمكن نقاش قضايا دينية مجتمعية حقيقية مهمة ذات أثر فاعل ومؤثر كقضية الناسخ والمنسوخ وإظهار التعددية التشريعية في القرآن والتي تظهر مدى الحرية التي أورثها الله لعباده؟ فيمكن أن نحل بعض القضايا كالوصية والإرث أو تعدد الزوجات وقوامة أو معاملات غير المسلم وغير ذلك.
هذه بعض النقاط الأصيلة التي يمكن أن تقدم محاولات لنقد الخطاب الديني وإذا ما تم طرحها ونقاشها سوف ندرك جميعنا لماذا يفتي أحد بأشياء ما أنزل الله بها من سلطان؟ وندرك أخطاء الشيوخ والدعاة من أصحاب المنابر الإعلامية.
في النهاية، أود أن أدعوك يا شيخ خالد أنت ومشاهديك إلى إدراك معنى نقد الخطاب الديني من خلال ما قاءة ما قام به علماء استطاعوا أن يحركوا الماء الراكد، الذي ما زال آسن في برك الفتاوى إلى الآن، من أمثال نصر حامد أبو زيد ومحمد أركون والجابري ومحمد شحرور وغيرهم، ومن قبلهم الإمام محمد عبده وطه حسين الذين قدموا نقدًا للخطاب الديني.

  • تعليقات المدونة
  • تعليقات الفيس بوك

0 التعليقات:

إرسال تعليق

Item Reviewed: خالد الجندي وإفساد المصطلح العلمي.. ليس هكذا يكون نقد الخطاب الديني Description: Rating: 5 Reviewed By: تنوير
Scroll to Top