كيف نفهم الدين من أبواب أخرى؟! - ادراك

بحث في الموقع

https://idrak4.blogspot.com.eg/

أخر الأخبار

Printfriendly

الخميس، 17 أغسطس 2017

كيف نفهم الدين من أبواب أخرى؟!





صفاء ذياب
بغدادـ «القدس العربي» من صفاء ذياب: في سعيه لتقديم الفلسفة الدينية، حاول الدكتور عبد الجبار الرفاعي أن يجمع أهم الآراء والاطروحات والمفاهيم التي تدور حول الدين والتحولات التي طرأت على تمثلاته في كتاب جديد بعنوان (موسوعة فلسفة الدين)، صدرت مؤخراً عن مركز دراسات فلسفة الدين في بغداد، بالتعاون مع دار التنوير ببيروت.
الموسوعة التي صدرت في جزئها الأول، تتضمن نصوصا متنوعة تعالج؛ علاقة الدين والفلسفة، مفهوم فلسفة الدين، موضوعاتها، مجالاتها، مفهوم الدين، علاقة الدين والعقل، الإيمان والعقل، وما له علاقة بذلك.
كانت لدى الرفاعي عدة بواعث لإصدار هذه الموسوعة، فيؤكد في تقديمه: «في هذا العصر صدرت بعض الموسوعات ودوائر المعارف العربية العامة والمتخصصة، بجهود جماعية وفردية. لكن لم تظهر حتى اليوم موسوعة تهتم بـ«فلسفة الدين»، رغم ضرورة تدشين الدراسة والبحث في هذا الحقل البالغ الأهمية والراهنية في الدراسات الفلسفية والدينية. ولا شك أن «فلسفة الدين» حقل لم يتعرف عليه معظمُ دارسي الفلسفة والدين العرب إلا قريباً، وحتى الآن لا نعثر إلا على كتابات محدودة فيه، وتفتقر المكتبة العربية إلى المراجع الأساسية في هذا الحقل، إذ لم تترجم النصوص الأساسية لفلاسفة الدين الغربيين في فلسفة الدين، من الألمانية والفرنسية والانجليزية».
تضم هذه الموسوعة مجموعة بحوث ومقالات وحوارات جادة في قضايا فلسفة الدين، مترجمةً عن الألمانية والفرنسية والانكليزية والفارسية، بموازاة مساهمات قليلة مما هو مدون بالعربية. و»لم نشأ اللجوءَ للنصوص المترجمة، لولا عدم توافر كتابات عربية في هذه الموضوعات حتى هذه اللحظة».
أنجز هذه النصوص فلاسفةُ دين ومفكرون وباحثون خبراء في فلسفة الدين؛ تتعدد مواطنُهم اللغوية وأديانُهم ومذاهبُهم، لكنهم يلتقون في مقاربة المسائل الدينية من منظور فلسفي، ويفكرون فيما هو مشتركٌ في الأديان، وعابرٌ للحدود الاعتقادية والإثنية والتاريخية والجغرافية والرمزية.
يستهل محرر الموسوعة الدكتور عبد الجبار الرفاعي هذا الجزء ببحث يتناول: تمهيداً تاريخيا لفلسفة الدين، تحدث فيه عن العلاقة بين الفلسفة والدين في الغرب الحديث، وتوظيف العقل في التفكير اللاهوتي، ونشأة اللاهوت الطبيعي منذ القديس توما الاكويني 1224 ـ 1274، الذي يؤكد على إمكانية الاستدلال العقلي على كافة المعتقدات اللاهوتية، من دون حاجة للاستعانة بالوحي. ويشدد الرفاعي على أن حضور ما يتصل بالله والدين كان لافتا في الفلسفة الحديثة، لكن الفيلسوف إيمانويل كانت 1724 ـ 1804 كان أول من قدَّم صياغةً فلسفية معمقة هامة للدين. وأنه بالرغم من استدلاله على عدم إمكان معرفة الله نظرياً. لكنه دافع عن الأساس الأخلاقي للدين والاعتقاد بالله، في كتابيه: «نقد العقل العملي»، و»الدين في حدود مجرد العقل». وحين نفى «كانت» الاعتقادَ النظري بالله، رأى الاعتقادَ الأخلاقي راسخاً لا يتزعزع. ذلك أنه يعتقد أن: «مفهوم الله لا ينتمي أصلاً إلى الفيزياء، أو إلى العقل النظري، بل إلى الأخلاق». بل الإيمان عند «كانت» يتأسس على الأخلاق، التي يحكم بها العقلُ العملي. بمعنى؛ كما يقول كانت: «إن الأخلاق إنما تقود على نحو لابد منه إلى الدين.. الأخلاق مؤسسة على مفهوم الإنسان، الأخلاق لا تحتاج أبداً فيما يتعلق بذاتها إلى الدين.. بل، بفضل العقل المحض العملي، هي مكتفية بذاتها». الإنسان لا يتحلى بالأخلاق لأنه متدين، وإنما يتدين لأنه أخلاقي. لذلك فليس من الخطأ توصيفُ فلسفة كانت بمجموعها بأنها «فلسفة دين».
أما جورج ويلهم فردريك هيغل (1770 ـ 1831) فقدم تفسيراً آخر، ترتكز فلسفته للدين فيه على «أن أساس الأشياء هو الحياة، أما الدين فهو رفع الحياة النهائية إلى مستوى الحياة اللانهائية». ويشير الدكتور الرفاعي إلى تنوع الآراء حيال فلسفة هيغل الدينية، فوصفها البعض بأنها «لاهوت مقنّع»، أو «صورة مقنّعة من صور الفلسفة المسيحية». ولعل تفسيرَه للروح المطلقة في فلسفته يشي بتطابقها مع وحدة الوجود الصوفية. وكان هيغل أول من اتخذ «فلسفة الدين» عنواناً لسلسلة محاضرات على تلامذته، في السنوات (1821 ، 1824 ، 1827 ، 1831) وصدرت سنة 1832؛ بعنوان: «محاضرات في فلسفة الدين».
ثم يستعرض الرفاعي آراء لودفيغ فويرباخ (1804 ـ 1872)، وكارل ماركس (1818ـ 1883)، في الدين، وكيف أن ماركس استعار من فويرباخ مفهومه للاغتراب الديني وإلحاده، إلاّ أن ماركس وجَّه نقداً قاسياً له، في كتابه: «أقوال تتعلق بفويرباخ» 1845.
كذلك أدان ماركس الروحَ المطلقة الهيغلية. وربطَ الدينَ ميكانيكياً بالاقتصادِ، ونمطِ تطور وسائل الإنتاج وطبيعةِ الملكية والعملِ والصراعِ الطبقي. ورسمَ موازنةً «بين الدين والملكية الخاصة؛ الأول يؤلف الاغترابَ النظري للإنسان، والثاني يكون اغترابَه العملي، أو انشقاقَه مع واقعه الخاص».
لكن الرفاعي ينبه إلى أنه لم يتحقق حلم ماركس باختفاء الدين، مع تطور وسائل الإنتاج والتحولات الكبرى في شكل الملكية، ونمط الإنتاج، بل إن ما تحقق هو انبعاث للدين في المجتمعات المعاصرة، و»انتقام الله لنفسه»، بعد أكثر من قرن من وفاة ماركس. ويعود ذلك- حسب الرفاعي- إلى نضوبُ المعنى، وتفشي العدمية، وشيوعُ التشاؤم، وانطفاءُ التفاؤل والأمل، وذبولُ جذوة الحياة، وفشلُ المتع الحسية في إرواء الظمأ الأنطولوجي العميق للروح.. وهي بمجموعها تحيل إلى المتطلبات العميقة للروح البشرية، وحاجاتها الأبدية للوصال مع المطلق. كذلك يؤكد على اختفاء الذاتُ الفردية في الماركسية، وكأنه ليس هناك سوى المجتمع، من دون أن تتنبه الماركسية إلى أن الذات البشرية بطبيعتها؛ باطنية، داخلية، عميقة، تنطوي على أسرارها، وتتخصب وتغتني بمنابع إلهامها، وديناميكيتها الجوانية، وتتحقق على الدوام حين تشرع بوجودها وتجاربها الخاصة. وذكر الرفاعي أن ظهور مصطلح فلسفة الدين للمرة الأولى في التفكير الغربي، يعود إلى نهاية القرن الثامن عشر.
أما ما تعنيه فلسفة الدين، فإنها نوع من الفلسفة؛ تعتمد العقلَ في بحث وتحليل المقدسات والمعتقدات والظواهر الدينية وتفسيرها. ولا تتوخى الدفاعَ عن هذه المعتقدات وتبريرها، مثلما يفعل اللاهوتيون والمتكلمون، وإنما تهتم بشرح وبيان بواعث الدين ومنابعه في الروح والنفس والعقل، ونشأةِ المقدس وتجلياته في حياة الإنسان، وصيرورته وتحولاته في المجتمعات البشرية. ويوجز الرفاعي تعريفها بقوله: فلسفة الدين هي التفكير الفلسفي في كل ما يتصل بالدين؛ شرحا وتفسيرا وبيانا وتحليلا، من دون أن تتكفل التسويغ أو التبرير أو الدفاع أو التبشير.
ثم يصنف الاتجاهاتِ الأساسيةَ في فلسفة الدين، حتى أواخر العقد الثامن من القرن الماضي، في خمسة اتجاهات، تتناول: اتجاه الوجود- معرفة الله. اتجاه نقد الدين في الفلسفة التحليلية. الاتجاه المتأثر بالعلوم الإنسانية، وهو أيضاً على ثلاثة مسارات مهمة: المسار المتأثر بتاريخ الأديان المقارن، المسار المتأثر بالعلوم الاجتماعية، المسار المتأثر بعلم النفس بشكل عام، وبالتحليل النفسي بشكل خاص، اتجاه الفنون اللغوية وفعل الكلام الديني، المتأثر بفيتغنشتاين المتأخر، اتجاه هرمنيوطيقا لغة الدين.
بعد ذلك شرح الرفاعي القضايا المشتركة بين الأديان التي تبحثها فلسفة الدين، مثل: ماهية الدين، وجود الله، مشكلة الشر، حقيقة الإيمان وبواعثه وأنماطه، الوحي والإيمان، التجربة الدينية، المعجزات والكرامات والخوارق، الخلود والبعث والقيامة، التعددية الدينية، الدين والعلم، المعرفة الدينية، الدين والأخلاق، لغة الدين، الهرمنيوطيقا.
يضم الجزء الأول، والذي يشكل مدخلاً للموسوعة وتمهيداً لدراسة فلسفة الدين، الموضوعات التالية: فلسفة الدين: تمهيد تاريخي، د. عبد الجبار الرفاعي. الفلسفة الدينية أو الدين الفلسفي، د. فضل الرحمن. بين الإيمان والفلسفة، اسبينوزا. عن جوهر الدين، شلايرماخر. عن الدين: خطابات لمحتقريه من المثقفين لشلايرماخر، رودلف أوتو. الدين والعقلانية، مصطفى ملكيان. العقل والإيمان: دراسة مقارنة بين إبن عربي وكيركگورد، د. محسن جوادي. ثلاث قراءات في عصر الحداثة، محمد مجتهد شبستري. قوى الدين المتعددة، كريغ كالهون. الدين في العالم المعاصر، د. عبد الكريم سروش. الدين في العالم المعاصر، محمد خاتمي. فلسفة الدين: المجال والحدود، مصطفى ملكيان. مفهوم فلسفة الدين، د. محمد لغنهاوزن. فلسفة الدين وعلم الكلام الجديد، محمد رضا كاشفي. فلسفة الدين عند سبينوزا، د. قيس هادي أحمد. فلسفة الدين عند كيركگورد، د. حسن يوسف. فلسفة الدين عند برجسون، د. قيس هادي أحمد. الإلهي؛ المقدس والدين في فلسفة هيدغر، د. إسماعيل مهنانة. فلسفة الدين من منظور الفكر الإسلامي، د. أبو يعرب المرزوقي. الإنسان بين المقدس والدنيوي، روجي كايوا. كيف نضفي القداسة على حياتنا؟!، عبد النور بيدار. حين يلتقي الديني بالثقافة، أوليفييه روا.
كما ستتسع «موسوعة فلسفة الدين» في الأجزاء المقبلة لموضوعات؛ التجربة الدينية، الهرمنيوطيقا، لغة الدين، المعرفة الدينية، الدين والعلم، التعددية الدينية، علم الكلام الجديد، الدين والأخلاق.
  • تعليقات المدونة
  • تعليقات الفيس بوك

0 التعليقات:

إرسال تعليق

Item Reviewed: كيف نفهم الدين من أبواب أخرى؟! Description: Rating: 5 Reviewed By: تنوير
Scroll to Top