الذهنيات السائدة: خضوع للتيار.. وانسلاخ عن العصر! - ادراك

بحث في الموقع

https://idrak4.blogspot.com.eg/

أخر الأخبار

Printfriendly

الثلاثاء، 3 يوليو 2018

الذهنيات السائدة: خضوع للتيار.. وانسلاخ عن العصر!


الذهنيات السائدة: خضوع للتيار..  وانسلاخ عن العصر!

آدون المير
معماري وفنان تشكيلي وكاتب

لتحميل وقراءة الدراسة pdf

لا تتم حركة التاريخ ما لم تتحقق الانقطاعات فيها، لأنها في طبيعتها حركة انقطاعية. والانقطاع يسقط خط الاستمرار التصاعدي، فهو جوهر الحركة وأساسها الذي يحدد التاريخ كقفزات هي بدورها حالة انتقال من طور إلى آخر أو من مرحلة إلى أخرى تصاعديًا وتنازليًا معًا. وعليه فإن القفزة هي مرحلة انتقالية بين طورين، والمراحل الانتقالية في حياة المجتمعات تتسم عبر التاريخ بسمة «التقلبية» التي تتهيكل وفق «ثبوتية وقتية» على حركة مخاضية منفلتة من عقال النظام الضابط لها، عبر خرقها لهذا النظام وتوضعها العشوائي بعيدًا عن محيط دائرته وخارج إطاره، خالقة لنفسها نظامها الخاص الذي يتفرد بتعدد صوره وتنوعها.
ورغم تأسس ماهية هذه المراحل على ميلها العام إلى الاستقرار، فإنها ــ ومن خلال هذا الميل ــ لا تتخذ صيغتها المقررة إلا بتحقّق شروط التقرير المجهولة والمعقدة بآن. مما يدفعها إلى إنتاج بنى وطرق للتفكير موائمة للواقع الـ «سيااجتصادي» في المجتمع، وفي الوقت نفسه ترتهن لمقيدات وإمكانات هذه البنى والطرق المنتجة «بفتح التاء». بمعنى أوضح تقوم المراحل الانتقالية في المجتمع بإنتاج بنى وطرق التفكير الملائمة وهذه بدورها تساهم في صياغة الملامح الرئيسة لهذه المراحل.
وفي واقع الأمر لا تشذ المرحلة الانتقالية التي يعيشها المجتمع العربي منذ عصر النهضة وبدء اليقظة العربية وحتى اليوم عن هذه القاعدة، فالتقلبات العملاقة المسيطرة تتبدّى ــ وضمن الخطوط العريضة للواقع العربي الراهن ــ أمام مفترق طرق يحتّم علينا التحوّل من البنى السّائدة للتفكير إلى بنى أخرى تتميز بالشمول والتفوق بأوسع معانيهما.
ومما لا شك فيه أن المراحل الانتقالية تتمايز عن غيرها بحضور الأزمات الكبرى التي تقوم بفرز الإشكاليات والمسائل على أكثر من صعيد إن لم  نقل على الأصعدة كافة. وبقدر ما تبدو هذه الأزمات عوامل تثبيط وإحباط وبواعث يأس وتقهقر، فإنها تتموقع على المستوى نفسه كعوامل تطور وارتقاء. وهي تظهر في الصورة الأولى إثر محاولة تأصيلها وترسيخها والانغماس في جريانها ومجرياتها، وفي الصورة الثانية عندما تخضع لإجرائية الفحص الصارم والدقيق من أجل تجاوزها والخروج من إزارها، والواقع الفكري الثقافي العربي يعكس الحالة بوضوح كمشهد صادق لملامح الذات العربية  الضائعة أمام صدمة التفوق الحضاري الغربي وصدمة المشروع الصهيوني.
إذًا، يجدر بنا أن نحدد الأزمة التي نحن إزاءها، فهي باختصار شديد أزمة ذهنيات أو بتحديد أكثر، «أزمة الذهنية العربية» وما يترتب عنها من نتائج خطيرة على المجتمع العربي ككل. ولا بد لي من الإشارة هنا إلى أنني لا أقصد بأزمة الذهنية العربية أزمة «عقل عربي» بالمعنى المتداول ــ أي أن الأزمة ناتجة عن صفة متأصلة عند الإنسان العربي ــ وإنما أقصد الذهنية التي أنتجتها المرحلة الانتقالية، والتي تقوم في الآن ذاته بإنتاج تمايزية هذه المرحلة. بكلام أصرح: أريد الوصول إلى السؤال الآتي مع ترك الإجابة عليه مفتوحة: ما هي النتائج المترتبة على المجتمع العربي وعلى الثقافة العربية جرّاء طرق التفكير (Manière d’intellection) والذهنيات السائدة (Les mentalités dominantes) في الواقع ظاهرًا وجوهرًا؟
فإذا كان خضوعنا لتيار المرحلة وانسلاخنا عن العصر ــ على اعتبار المرحلة لا تعبر عن العصر المعني ــ نتيجتين من جملة ما يمكن أن ينتج جرّاء وقوعنا تحت هيمنة أساليب التفكير المتداولة، وجراء انغماسنا في دوامة الذهنيات السائدة، فإن هاتين النتيجتين «وحسب» أدّتا إلى «الغرق» في الأزمات الكبرى بكل ما فيها من تعدد وتعقيد ومصاعب، وهذا دون النظر إلى النتائج الأخرى التي لا تقل أهمية عنهما، وعند هذه النقطة بالذات لا بد لي من الإشارة من جديد إلى أنني لا أنوي حصر أسباب الأزمات التي يعانيها المجتمع العربي بأزمة ذهنيات، بل إن الذهنية العربية ــ إن كانت تخص فردًا أو جماعة أي بمعناها الواسع ــ هي في الوقت ذاته منتَج «بفتح التاء» ومنتج «بكسر التاء»، منتَج «بفتح التاء» أزمات ومنتج «بكسر التاء» أزمات، وعليه فإن فعل «الغرق» قابل لأن يُوعى بوعي منتَجه «بفتح التاء» ومنتجه «بكسر التاء» معًا، وهذا ما تنطوي عليه محاولتي في تصنيف الذهنيات السائدة ومناقشتها.

ذهنياتٌ منقرضةٌ
بالاتفاق المبدئي على أن حدوث فعل الغرق قد تم كنتيجة لذهنيات محددة، وبغض النظر عن هذا الحدث إذا ما كان إراديًا وبوعي، أو غير إرادي وبلا وعي، فإنه لا بد لنا من التساؤل عن حقيقة هذا الغرق عبر المخاض الذي نعيشه، هل هي خفية علينا أو العكس؟… وإذا كان الجواب قطعيًا بتجلي هذه الحقيقة، فهل يمكن الاكتفاء بإجابة كهذه على الرواح والإياب دون النظر إلى المسألة من حيث أبعادها الحقيقية العميقة والمعقدة؟ بمعنى آخر، هل يكفي لحسم المسألة القول: «إن هناك غرقًا أصابنا نتيجة انجرافنا في تيار الذهنيات السائدة» وكفى؟.
إنه لمن المؤكد أن عملية تجلّي هذه الحقيقة شرط لازم غير أنه ليس كافيًا. وأقصد هنا: إن المسألة ذات مستويات متعددة ومن غير المجدي التعامل معها على مستوى واحد دون الاعتبار لمستوياتها الأخرى. وعليه سيكون من الضروري لنا إزاءها أن ننتقل من مستوى رؤية تلك الحقيقة بتبديلها إلى مستوى رؤية خفاياها وخلفياتها ثم إلى مستوى امتلاكنا لها وتعاملنا معها ثم إلى مستوى قولنا بها وإيصالنا إياها إلى الآخر. غير أن وجود ظروف أفرزت شرطة رقيبة على كل شيء سيجعل بالضرورة تهيؤ فرصة لقنص الحقيقة وامتلاكها، ثم القول بها ومواجهتها، أمرًا صعبًا للغاية. ومن هنا فإن ذلك سيحتاج إلى جرأة أدبية من نوع خاص، وإلى حسّ نقدي متميّز، قادرين على مواجهة الظرف بكل ما فيه من قساوة أولًا، وعلى تجاوز الطرق المبتذلة للتفكير ثانيًا. هذا يعني أن هذين الاحتياجين يقتضيان ألاّ تقتصر فاعلية معرفة المرء على أنه يعرف ويعرف أنه يعرف ويعرف أن معرفته حقيقية. أي المشكلات المتعلقة بالغنوصيولوجيا (Gnoseology) أو نظرية المعرفة (Théorie de la connaissance) وحسب، وإنما على هذه المعرفة بحد ذاتها كنشاط روحي وكانعكاس للواقع الموضوعي من جهة، ومن جهة أخرى على معايرتها من خلال الأفعال العملية والممارسة التراكمية (La Pratique accumuleé) القادرة على إثبات صحتها أوالعكس من حيث نتيجتها وتوافقها مع موضوعاتها ومن حيث كيفية امتلاكها وإيصالها إلى الآخر.
بكلام أوضح: إن هذين الاحتياجين «الجرأة الأدبية ــ الحسّ النقدي» متعلقان بمعرفة هذا المرء أو ذاك بحد ذاتها أولًا، وبكيفية امتلاكه لها ثانيًا، وبكيفية تعامله معها وإيصاله إياها إلى الآخر بغية تحقيق الفعل الإيجابي ثالثًا. وهنا تكمن المشكلة التي أودّ طرحها. وإنني من هذا الموقع لا أضع نفسي في موقع القائم على تقويم معارف الآخرين، على ما يمكن للبعض أن يفهم من كلامي، وإنما أريد ان أناقش وأطرح على مائدة الحوار عينات محددة وواضحة ومألوفة في الوقت ذاته من طرق التفكير ومناهجه السائدة والمتعددة التي تتبدّى قادرة على إفساد العملية المعرفية، وإفشال معايرتها التي تعتمد مبدأ الممارسة التراكمية.
من هنا تظهر المشكلة المطروحة على نحو تفاقميّ عبر وقوع «الغالبية» من أفراد مجتمعاتنا في جملة من الانسياقات في منهجيات منسلخة عن روح العصر بتجلياته وخفاياه.[1] الأمر الذي أدى إلى جعل أصحابها (حتى المشتغلين في الفكر والثقافة منهم) يرزحون تحت وطأة الخروج من دائرة التحولات الـ «سيااجتصادية» الجديدة من جهة، وتحت وطأة الفهم السطحي الزائف للواقع بتنوع زمكنته من جهة أخرى.[2] بمعنى أصرح: تمكنت هذه المنهجيات من جعل أصحابها واقعين في حالة من «قدم التفكير» أو «التفكير المنقرض (L’intellection eteinte)».
إن نظرة عميقة وشاملة إلى الوضع الراهن للثقافة العربية بمقوماتها وأساسياتها وانعكاساتها وتبادليتها مع المجتمع من حيث التأثر والتأثير لتبين لنا التضخم الهائل للمنهجيات المنقرضة «الديناصورية»[3] في التفكير، التي لا تقوم على الرؤية السطحية الزائفة للواقع ومتطلباته ومعطياته فحسب، وإنما أيضًا على حالة من الاسترجاع التأخري (La récupération retardaraire) للواقع بمختلف تفاصيله وعلى أصعدته كافة، وسيتبين للقارئ الكريم ما أقصده بذلك من خلال محاولتي في عرض عينات ونماذج لطرق التفكير الديناصورية والذهنيات المنقرضة في قالب تحليلي تصنيفي لهذه النماذج وتلك العينات التي نعايشها ونصادفها أينما ذهبنا وكيفما اتجهنا.

1. الديناصور البوليسي «الشرطوي» (Le dinosaure policier)
تخضع كل المسائل عنده إلى سياق من التدبير الإجرامي مصاغ وفق تركيبة بوليسية تصلح لأن تكون محورًا لقصة بطلها أرسين لوبين ذكرًا لا حصرًا. عندها يغدو العقل أسيرًا لفكرة مسيطرة (Idée fixe) ولمعتقد وهمي (Imagination) قادرين على تحويل أبسط القضايا إلى عملية معقدة ولغز صعب الحل. لتنتقل النقاط الواضحة إلى توليفة شائكة من التوليفات المباحثاتية. ووقتها فمن الطبيعي أن يتحول العقل إلى آلية صارمة (Automatisme sévère) تظهر في بذل قصارى جهده للتقليب وإثارة الأسئلة التحقيقية التي تمهد الطريق له للإمساك بالخيط الأول من القضية كي يخرج بنتائجه «المتفردة الذكية» القادرة على إظهار «إبداعاته» في القبض على المجرم متلبسًا بأخطائه، وفي حلّ اللغز المفقود من خلال السعي الدؤوب والجهد المتفاني لقولبة «القفشات» والكمائن والمكائد الكاشفة في قالب تكتيكي خاص. لذلك لن يكون من المفاجئ أن نصادف أمام طريقة كهذه من التفكير، كلمات وتعابير من قبيل «تواطؤ / تدبير / تآمر / إجرام /خداع / قصة محبوكة / مسرحية كبرى / مخطط متفق عليه / مكائد ومشاورات / إلخ…».
من هنا نلحظ تعدد الأساليب وتنوعها للوصول إلى حل اللغز الإجرامي، وإلى كشف المؤامرات الكبرى، لتغدو القضايا جميعها ذات خلفيات إجرامية، مما يقتضي اتباع طرق متميزة في طرح الأسئلة الإرهابية التي تظهر من خلال العقلية المراوغة (La mentalité démagogique) المبنية على أساس سبق المقدمات بنتائجها قبل البدء في تفصيل هذه المقدمات وتحديدها.
2. الديناصور المؤامراتي «التواطئي» (Le dinosaure conspirateur «collusoire»): (الديناصور الخاضع للفكرة المسيطرة والمعتقد الوهمي المتمثّلين بالمؤامرة المدبّرة «المتفق عليها»)
تتبدّى الأحداث جميعها له جارية وفق مخطط ما أو مؤامرة ما حيكت وصيغت بالاتفاق والترتيب من قبل جهات معينة ضد جهات أخرى. هذا هو الإطار العام الذي تنبني وفقه العقلية المؤامراتية، وهنا لا ضرر من الاستناد على مبدأ «الكل ضدي (Tous, sont contre-moi)» الخاص بالديناصور التخويني أو الاتهامي الذي سيمر معنا لاحقًا. ومن هنا سيغدو من الطبيعي نسب الخيانة إلى الآخر من خلال استخدام عقلية مباحثاتية (مر معنا ذكرها)، تقدم مبررات يراها الديناصور المؤامراتي منطقية في اكتشاف المؤامرة الكبرى المحاكة ضده أو ضد وطنه أو ضد أمته. وبإخضاع الذهنيتين المؤامراتية والبوليسية إلى مستوى مقارنة نرى أن هناك تلازمًا بينهما من حيث الظاهر والجوهر، إذ تنبنيان على أساس واحد من العمليات العقلية (Les intellections)، وتتفقان في صيغهما الإطلاقية وفي الأحكام القَبْليّة (Les préjugés) وفي تقديم النتائج على المقدمات. وفق هذه الأوهام يظهر التفكير سطحيًا وزائفًا وديماغوجيًا (Démagogique)، قادرًا على تحريف الأسباب الحقيقية للمشكلة، لتظهر بذلك اليد المؤامراتية والمخططات السوداء وراء أتفه القضايا وأبسطها.
وفي مناخ كهذا ليس من المستغرب أن تكون المؤامرة الصهيونية الأميريكية الإمبريالية الاستعمارية وحدها وراء الوضع الراهن للعرب بتشعباته وتعقيداته كافة، وعليه لا يمكن أن نفاجأ إذا ما ادّعى أصحاب هذه العقلية أن سبب خسارة منتخب عربي كروي في مباراة ما، هو بالتأكيد المؤامرة الصهيونية ضد العرب، ولا يمكن أن نفاجأ أيضًا إذا ما أدرجت إحدى المجلات – بسبب نشرها مقالة لأحد الكتاب – فيما يحاك من مؤامرات صهيونية إمبريالية ضد العرب ووطنهم، وكما أرى على أقل تقدير فلن أفاجأ إذا ما ادّعى أحدهم أن هناك مؤامرة كبرى ومخطّطًا أسود وراء كل تفصيلة من تفاصيل همّه اليوميّ.[4]
عبر هذه الطريقة من التفكير ستصادف وتسمع عبارات مثل «مخطط أسود مرسوم للمنطقة / مؤامرة ضد العرب / تدبير إجرامي إمبريالي / مخطط صهيوني / المؤامرة الاستعمارية الكبرى / تواطؤ وخيانات / إلخ…».
3. الديناصور الضّدّي التخويني أو الاتّهامي (Le dinosaure contredisant ou accusatoire)
تعتمد العقلية الضدية «التخوينية» على مبدأ أساسي يتمثل في اعتبار الآخر «فردًا / جماعة / مجتمعًا / أمة / دولة / عالمًا» خصمًا في الخندق المقابل أي «ضدًا»، وعليه وانطلاقًا من قاعدة «الكل ضدي (Tous, sont contre-moi)» سيغدو الآخرون – على اختلاف مواقعهم ومواقفهم – خونة في نظر الخاضعين لسيطرة هذه العقلية. ولا تقف الاتهامات الموجهة إلى الآخر عند حدّ نسب الخيانة إليه، بل تتجاوزه إلى أقصى ما يمكنها لنجد الآخر عدوًّا يجب القضاء عليه، وخصمًا لا بدّ من الانتقام منه. ويتحوّل هذا الوضع الاستعدائي إلى مبرّرات مطلقة توفّر لأصحاب العقلية الضدّية راحة تامة وتصالحًا كاملًا مع الذات، بعد أن غاب الحسيب وذهب الرقيب، لتغدو ضوابط التصرّفات معدومة مما يجعل الحالة أكثر سهولة وأكبر كسبًا وأقلّ حسابًا للآخر.
وأرجو أن نتمعّن في المثال التوضيحي الآتي من مقابلة سجلها «إيال سيفال» في نيسان «أبريل» من 1990 مع البروفيسور الإسرائيلي إيشعياهو ليبوفيتش:[5]
سيفان: يقول شار بالغ الانتشار في إسرائيل: العالم كلّه ضدّنا، لماذا؟
ليبوفيتش: لأن هذا الوضع مريح جدًّا! لا شيء أكثر إراحة لإنسان من أن يقول إن الجميع أردياء، وإنه هو العادل. إن هذا لزهيد ومريح إلى أبعد حدّ. فيما ترى على مستوى الوقائع أنه ما من دولة دللها العالم أكثر من دولة إسرائيل (…) فالولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي، اللذان كانا في عزّ الحرب الباردة، تمكنا مع ذلك من الاتفاق على إقامة دولة إسرائيل (…) هذا ما يسمى «العالم كله معنا». كانت تلك غلطة العرب الذين لم يفهموا أنهم بمعارضتهم قيام دولة إسرائيل، فإنما كانوا يقاتلون العالم بأسره. كان هذا جنونهم، وهذا اليوم جنوننا. إننا لا ندرك أننا نقاتل العالم كله، نعم، العالم كله اليوم إلى جانب العرب.
سيفان: وإذًا، فإن شعار «العالم كله ضدّنا» يكشف في خاتمة المطاف عن واقعيته.
ليبوفيتش: نعم، ولكنها وضعية تسببنا نحن بها،  لأننا، نحن، ضدّ العالم كلّه.. هل تدرك كم هذا مريح؟
سيفان: لمن؟
ليبوفيتش: لنا. هكذا نتفادى السؤال «ما أصبحنا؟»، و«ماعلينا أن نفعل؟». لا شيء أكثر إراحة من اختزال واقعنا بأكمله إلى ما ارتكبه بحقنا الآخرون. هكذا نحن في حلّ من كلّ مراجعة ضميريّة. من نحن، وما نستحق؟ ما يجب أن نفعل؟ ما هي القيم التي بها نعترف؟ نحن من تعرضنا لأشياء مرعبة، وهذا يعفينا من كل مسؤولية، هذه هي خلفيتنا النفسية الحالية.
يوضح ليبوفيتش طبيعة هذه العقلية ومقوماتها بشكل غير تصنيفي من خلال شرحه لحيثيات وانعكاسات شعار «العالم كله ضدنا» السائد في إسرائيل، إلا أن هذا الأسلوب من التفكير وبقدر ما يمكن سحبه على الدول والمجتمعات يمكن سحبه على الأفراد أيضًا.
في ظلّ هذه الأجواء العقلية ليس من «العجيب» أن نصادف شعارات شبيهة بالشعار الوارد في المثال من حيث المبدأ، رغم  أن هكذا شعارات قد تكون صادرة عن أطراف مختلفة ومتصارعة ومقتتلة تاريخيًّا، ويبدو لي أن المبدأ المذكور هو من المبادئ القليلة التي أثبتت استمراريتها حتى الآن من حيث تطبيقها على زمكنات مختلفة ومتعددة. عبر ذلك تنشأ هذه العقلية على جملة كبيرة من الاعتقادات الخاطئة والمبالغ فيها، تنبني على أفكار أساسية متمثلة بشعارات من قبيل «كل العالم ضدي / العالم ضد العرب / الخيانة العظمى / الآخرون سيئون ونحن الجيدون / إلخ…».
وهكذا، ومن خلال ما سبق فإن هناك احتمالًا كبيرًا لاتحاد العقلية التخوينية مع العقليتين المباحثاتية والمؤامراتية، يجعل ترابطها وثيقًا في علاقة حركية من الفعل ورد الفعل والتفاعل. كما أنها من الممكن أيضًا أن تتّحد مع العقليات الأخرى كالنرجسية (Narcissique) والعدائية (Inamicale) والاعتقالية (Concentrationnaire) والفصامية (Schizophrènique) وحتى الآيديولوجية (Idéologique) التي سنأتي على ذكرها لاحقًا.
4. الديناصور «العدائي التهجمي» (Le dinosaure inamical-agressif «offensif»)
تتضخم غريزة التعدي (Instinct d’agression) عنده على نحو لا مثيل له، ليصبح غير قادر على تحقيق توازنه النفسي دون الاستناد على عدوّ «ضدّ» حتّى لو كان هذا العدو مختلفًا وحتى لو كان فعل العدوان مختلفًا أيضًا، فالهمّ الأول والأخير له هو تحقيق فعل العداوة أو الفعل غير الودي (Acte d’agression). وبهذا نجده يحاول الوصول إلى غايته كيفما اتفق وبأية وسيلة كانت، ومن المؤكد أنه وقتها سيعتمد وفق المبدأ الماكيافيلي (Le Machiavélisme) «الغاية تبرّر الواسطة»، مما يؤدي به إلى أن يسلك دروبًا لا تخضع لأي معايير قيميّة أخلاقية، فتظهر عدائيته هدفًا نهائيًا ومطلقًا في سلوكه وذلك بوعي منه أو بغير وعي، ويظهر مزاجيًا وضيق الأفق وهجوميًا إلى أقصى درجة، دون رادع عقلي ولا رادع أخلاقي. وتهيّئ عقليته له كلّ المسوّغات والإمكانيات للقيام بأفعال مطلقة «غير مشروطة (Actes inconditionnels)»، ووقتها لا ضرر من اتباع جميع الأساليب الفضائحية وإثارة المسائل الشخصية واعتماد الطرق التشهيرية الاستفزازية بغية استعداء الآخرين وتحقيق الفعل العدائي.
 5. الديناصور الاعتقالي «الإرهابي» (Le dinosaure concentrationnaire «terroriste»)
لا يقف انبناء عقليته على انغلاقه وتقوقعه في عالمه الذهني الضيّق المبني على أساس أحادية الفكرة (Monoïdésime) فحسب، بل إنه يشمل تشدّدًا ونزقًا ومزاجًا آليًّا قاسيًا في القضايا كافة على اختلافها، وتجاه الآخر بغضّ النظر عن تعدّد هذا الآخر وتنوعه. تتبدّى الذهنية الاعتقالية مهيمنة عليه من حيث تفكيره وممارساته الحياتية التي تنعكس سلبيًّا على الآخرين من خلال تطرفية (Activisme) تسيطر على تكوينه العقلي والاجتماعي في النظرية والتطبيق على حدٍّ سواء.
إنه يخضع جميع المناخات الاجتماعية بمختلف أشكالها لمناخ قمعي قادر على «مسخ» الحالة الاجتماعية إلى حالة من التضاد مشحونة بأقصى ما يمكن من توتر، يساهم في تطويرها إلى عراك حام يمكن أن يقف عند المشاحنات الكلامية والتشنجات العقلية، إلا أنه في المقابل يمكن أن يصل في درجة متقدمة إلى عراك بدائي شرس وحتى «حيواني».
في النتيجة تقوم ذهنية الديناصور الاعتقالي على نزعة قمعية (Tendance répressive) تؤدي إلى تحويل الأجواء جميعها إلى أجواء إرهابية تكتم نفس الآخر، وتحرمه من حقه في أن يأخذ فرصته في «الحوار / إبداء الرأي / الجدال / مخالفة الرأي / القول / إلخ…»، فالديناصور الإرهابي ليس قادرًا على تقبّل الرأي الآخر، ولا احترام هذا الرأي. هو معتدّ بفكره الأحادي الضيّق والمطلق، وقانع قناعة تامة بصحة هذا الفكر، ولا يمكن له أن يستوعب رفض الآخرين أو معارضتهم لفكره. وهذا ما يدفعه إلى مواجهة أي رفض وية معارضة بعدائية لا مثيل لهما.
من هنا فإنه على صعيد الإفادة يستعمل أدوات – ويمارس سلوكيات – تخص كلًّا من الديناصورات: العدائي التهجمي (Inamical)، والنرجسي (Narcissique)، والسلطوي المخابراتي (Gouvernemental)، و في المقابل تقوم غالبية الديناصورات الأخرى باستعمال أدواته وممارسة سلوكياته، وهذا ما يؤكد لنا الترابط المتين والصلة الوثيقة بين جميع النماذج العقلية المصنّفة.
 6. الديناصور السلطوي «الحكومي/المخابراتي» (Le dinosaure gouvernemental ou informatif)
لسان السلطة وربيبها، المتحدث الرسمي وغير الرسمي وشبه الرسمي باسمها، ومحامي الدّفاع الأول والأخير عنها. يحصر جلّ اهتمامه في الترطيل بها ولها بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، ولا شكّ في أنه من المستفيدين جرّاء الذود عنها، عداك عن أنه ابنها المدلل بالتبني، الأمر الذي يؤمّن له الحماية التامّة من قبلها إزاء أي خطر أو تهديد يعترضانه، وفي الوقت نفسه يحقق له المكاسب المتعددة التي تتراوح بين حدّ أدنى وحدّ أقصى تبعًا لدرجة ومستوى العلاقة بين الأم والابن من حيث المصالح والمنافع المشتركة.
تلعب هذه العلاقة الدور الأساسي في تحديد الصيغة النهائيّة التي تتخذها ذهنية الابن الربيب، بغض النظر عن نوع «السلطة ـ الأم»، وعن طبيعة النظام الحاكم الذي يمسك بهذه السلطة. ولا بد من الإشارة إلى تفاوت درجة العلاقة المذكورة وتفاوت الظهور والغياب النسبيين للعقلية المخابراتية وفق نوع هذه السلطة أو تلك. بيد أن الديناصور السلطوي في الإطار العام يبقى خاضعًا لتأثير عقلية تخوينية «اتهامية» (Mentalité accusatoire) تعتمد معظم مناهج التفكير الأخرى «المباحثاتي / المؤامراتي / التهجّمي / الاعتقالي»، وهو بذلك لا يتوانى لحظة عن شنّ حملاته الهجومية على الآخر من خلال عقل تخويني يبتكر محيطًا امتحانيًا تحقيقيًّا للإيقاع بأضداد السلطة ومعارضيها أيًّا كانوا وكيفما كانوا وعلى اختلافهم آيديولوجيًّا أوسياسيًّا أواجتماعيًّا.
تندرج تحت العقليّة السلطوية – إضافة إلى الصنف المذكور سابقًا – أصناف أخرى تتحدد وفق معيارين: الأول: العلاقة بين السلطة «الأم» والدّيناصور «الابن»، والثاني: «الخطورة الكامنة وراء كلّ صنف». فإذ تقلّ الخطورة الكامنة عند الصّنف الأول، فإنّها تزيد في المقابل عند أصناف أخرى.لأن نوعًا من الغباوة متناسبة مع ماهية العقلية السلطوية، ينشأ عند «الابن – الربيب» إثر وصول العلاقة المعيارية إلى درجها القصوى، لتنتج بذلك علاقة تعاكسية بين الخطورة وبين علاقة «الأم – الابن». فوصول هذه الأخيرة «علاقة الأم – الابن» إلى أعلى مستوياتها سيؤدي إلى اكتشاف الآخرين للعقلية الخاصة بالابن من خلال بعض الممارسات التي يقوم بها كالظهور البطولي، والعمل من أجل الشهرة، والبحث عن النجومية، والاعتزاز بالقوة، والإعلان الدائم عن العلاقة بالسلطة، إلخ
لنحاول الآن النظر إلى نتائج انخفاض العلاقة إلى مستويات أدنى، سنجد أنفسنا أمام  صنف آخر هو الديناصور السلطوي الخارج عن إطار رعاية السلطة أو «الديناصور السلطوي – المخابراتي – الذاتاني (Le dinosaure gouvernemental subjectiviste)». إثر ظروف موضوعية خارجة عن إرادته ومحيطة به، وإثر بنية نفسية ـ عقلية تحكمه، يغدو هذا الصنف وكيل السلطة وحامل لوائها ومحاميها المدافع عنها بجدارة، والذي وكّل نفسه بنفسه عنها دون حماية منها، ودون تحقيق مكاسب كتلك التي يحققها الصنف الأول ليتحول إلى عنصر خادم للسلطة مجانيًا وفي الأوقات والأماكن كافة، وهنا تكمن الخطورة من حيث صعوبة تحديده واكتشافه من قبل الآخر.
لا بدّ لي من التنويه إلى وجود صنف آخر «للديناصور السلطوي الذاتاني» وهو أكثر هذه الأصناف خطورة من حيث كثرته، وإمكانية تواجده في أي زمكنة، وقابليته للتحول إلى أي من الصنفين السابقين وقت توافر الشروط والظروف الملائمة لذلك، وأهمّ ما يميّزه هو تفاقم الحالة السلطوية عقليًّا ونفسيًّا عنده، لنجده متأثّرًا بشخصية السلطة وسلوكياتها إلى درجة يصاب عندها بحالة تقمّص لهذه الشخصية، فتهيمن عليه العقلية المخابراتية ويقع أسيرًا لها، وفق ذلك يبدأ بممارسة سلوكيات السلطة، ويتكلم بلغتها ويتمبدأ بمبادئها، ويقول بقولها وينظر بعينها، بمعنى آخر: نجد أنفسنا أمام السلطة وقد تجسدت «فعلًا وقولًا وعقلًا ونفسًا» بكائن يتحرك أمامنا ويمارس دورها بتفاصيله ودقائقه كلّها.

7. الديناصور الآيديولوجي الإطلاقي (Le dinosaure idéologique généralisateur)
من جملة ما يميّز العقلية الإطلاقية أنها تنبني على مبدأ قائم على إخضاع الأزمنة والأمكنة كافة لتطبيق نظرية ما أو فكرة ما أو مقولة ما. من هذه الزاوية تظهر الآيديولوجيا – بوصفها إطلاقية – في صيغة تعميمية لا تعير اهتمامًا للظروف الموضوعية في الزمكنة المعنية بها. ومن هذا الموقع فإن ما يعنيني هو «الإطلاقية» (La généralisation) المميزة لهذه الآيديولوجية أو تلك، بغض النظر عن الآيديولوجيا بمفهومها العام كنسق من الآراء والأفكار والنظريات، وبغض النظر عنها أيضًا كجزء من الوعي الاجتماعي (La conscience sociale)، على رغم تقوقع الكثير من الآراء والأفكار والنظريات في صيغ إطلاقية تعميمية.
بكلام مختصر: إن ما يعنيني في النهاية هو الذهنية التي تعتنق وتتعامل مع آيديولوجيا معينة، فهي القادرة من خلال موقعها على تأكيد إطلاقية آيديولوجيتها أو على نفي هذه الإطلاقية، بمعنى أن معايرة الذهنية الإطلاقية تنحصر في قدرة الذهنية المعنية على تحقيق المرونة التي تتيح لها الانفتاح على الواقع، والمعرفة الدقيقة لمعطياته وظروفه الموضوعية للتمكن من التعامل مع القضايا جميعها بعقلانية تبتعد نهائيًا عن أحاديّة الفكرة (Monoïdésime) والأفكار أو الأحكام المسبقة (Les préjugés).
تنغلق عقلية الديناصور الآيديولوجي الإطلاقي على ذاتها دون التطلع إلى الخارج، فتبدو العمليات داخلية محضةً، وتتحول الآيديولوجيا إلى آيديولوجيا كونية غير قادرة على تقبّل أية أفكار ومعطيات تناقض محتواها، وتغدو رؤية العالم أحادية الجانب «دوغمائية (Dogmatise)»، ويتحول نسق الأفكار والنظريات والآراء إلى قالب متصلب غير قابل للخروج من دوامته الكونية. وبذلك تصبح هذه الآيديولوجيا ويصبح منظروها مقدّسات ومحرّمات (Tabous) تندرج تحت قائمة المحظّر والممنوع والمحرّم، ومن غير الممكن مساسها ليس بالنقد والتخطيء فحسب، بل حتى بالمناقشة العلمية والحوار الديموقراطي. كل ذلك عبر مجموعة من الطواطم والتابوات العقلية (Les totems et tabous d’intellectuels) القادرة على نسف أية حالة عقلانية للمحاكمات العقلية الممكنة.
عبر هذا النمط من ضيق الأفق يظهر الديناصور الإطلاقي في حالة من الدونية (L’infériorité) تجاه منظّري آيديولوجيته، ومقيّدًا بمجموعة من الأفكار الكونية غير القابلة للحوار والمناقشة، ومنساقًا بأحكام قَبْليّة دوغمائية، وعدائيًا تجاه مخالفيه الرأي، ومباحثاتيًا ومؤامراتيًا وتخوينيًا تجاههم أيضًا، ومنسلخًا عن واقعه، ومنقرضًا من عصره، واتهاميًا وتطرفيًا، وعاطفيًا وانفعاليًا، في الآن ذاته. كل هذه الصفات والتمايزات تتفاقم عنده بتفاقم إطلاقية آيديولوجيته، رغم تنوع أصنافه واختلافها تبعًا للآيديولوجيا المتَّبَعة، فمنه الديناصور الإسلامي (Islamique) ومنه الماركسي (Marxisant) ومنه القومي (Nationaliste) ومنه الوطني المتطرف (Chauvin) ومنه الطائفي المذهبي (Confissionnel) ومنه العرقي (Racial) ومنه الفاشي (Fasciste) وغيرهم

8. الديناصور النرجسي (Le dinosaure narcissique)
حب الذات (L’amour d’essence) أو النرجسية حالة طبيعية غريزية موجودة لدى كل إنسان من حيث اعتداده بذاته وحفاظه عليها وحبه لها.
المشكلة التي سأطرحها لا تتعلق بالحالة السابقة من حيث طبيعيتها، وإنما تتعلق بتحولها إلى شكل تفاقمي يشكل أساسًا لبنية صاحبها «النفسية – العقلية»، هذه البنية التي تنتج طريقة من التفكير محورها الأساسي والأوحد هو الذات وصفاتها، ومنطلقها في كل شاردة وواردة هو هذه الذات وصفاتها أيضًا. وبذلك تنطلق رؤية العالم والواقع من زاوية واحدة وثابتة هي: الـ «أنا»، لنجد أن الـ «أنا» عند الديناصور النرجسي متضخمة إلى أقصى درجاتها، وتظهر من خلال هذا التضخم تركيبته «النفسية – العقلية» القائمة على قناعته المطلقة بأنه سيّد الكون ومقياسه الوحيد، نبيّ الأنبياء وربّ العارفين.
إنه لا يقبل التخطيء أو المعارضة، ولا التشكيك في صحة آرائه وأفكاره ومقولاته، بل إنه لا يعير الآخرين أدنى اهتمام، وفوق ذلك فإنه حتى لا يراهم، وإذا ما اضطر إلى التعامل معهم «من حيث الإطار الاجتماعي». فإنهم لن يكونوا وآراؤهم في نظره سوى مجموعة من الرعاع المحكومين قدريًّا بسوية دنيا على الأصعدة كافة وفي مختلف المجالات. ليس ذلك فحسب بل إنهم «في حالة متقدمة من نرجسيته» لن يصبحوا – ربما – سوى ضفادع أو جرذان أو حشرات. أما هو فإنّه في المقابل يغدو نبيًّا مرسلًا يقيم بنيانه «النفسي – العقلي» ضمن هالة من القدسية والألوهية، فلا تخرج من فيه كلمة زائحة ولا يكتب قلمه عبارة خاطئة وأفعاله تبقى في قناعته صحيحة بالمطلق، وأما الخطأ فملغي من قاموس «أناه»، فإذا ما قوبل بالتخطيء مرة فإن مغالطة كونية تكون قد حدثت.
يظهر هذا النموذج من التفكير سائدًا بكثير من الوضوح في مختلف الزمكنات، وهو ليس متوقفًا على الفرد دون الجماعة، وليس متوقفًا أيضًا على فرد وجماعة دون فرد آخر وجماعة آخرين. إننا نصادفه عند المثقفين النخبويين والآيديولوجيين المتشددين الكونيين والمتدينين المتطرفين البدائيين والعاملين في الحقول الإبداعية والأكاديميين بقدر ما نصادفه عند الشرائح المختلفة في المجتمع، بغض النظر عن تجليات الـ «أنا» المتنوعة تبعًا للشريحة التي ينتمي إليها، فالمغزى هو شيوع هذه الذهنية التي لا تفرق بين الأقصى والأدنى من حيث هيمنتها حتى على الأطراف المتناقضة المتضادّة.

9.الديناصور الفصامي (Le dinosaure schizophrènique)
يظهر هذا الصنف منطويًا على ذاته، مندفعًا بتأثير تيار من التجول الذهني في عالم الخيال (L’imagination) والوهم (L’illusion) ليظهر عنده عدم اتساق بين المزاج والفكر، من خلال تصرفات متناقضة وأفعال متعاكسة (Actions contradictories)، فتنتفي بدورها النواظم والضوابط العقلية أو النفسية «حسب الحالة المسيطرة»، لاغية – من خلال هذا الانتفاء – التوازن الذاتي لديه.
غير أن هذا الصنف يتميز بتعددية أشكاله تبعًا لدرجة الحالة المصاب بها، ولكنه بصورة عامة يتميز بميزة أساسية هي ازدواج الشخصية (Dédoublement de la personnalité)، وهنا لا أريد أن أقدم تفسيرًا طبيًا علميًا اختصاصيًّا، لأنّني لست في موقع المختصّ الذي يخوّلني للقيام بهذا التفسير أوّلًا، وثانيًا لأنّ هكذا تفسير لا يعنيني فيما يخص المشكلة المطروحة. من هنا فإنّ ما يهمّني هو ازدواج الشخصيّة بحدّ ذاته، ثمّ تبيان حالة فقدان التوازن على الصّعيد الذّهني لهذا الأنموذج، حيث إنّ ذهنيّته تنبني على نواظم غير متسقة ولا مترابطة ومتناقضة، بعبارة أصرح: ذهنيّة فصامية أو فكر فصامي يمكن لحظهما بوضوح في سلوكيات وممارسات الكثير من الأفراد والجماعات على حدّ سواء.
عبر هذا الإطار، وعلى سبيل الذكر لا الحصر، يمكن للماركسي أن يظهر إسلاميًّا وللأخير أن يغدو ماركسيًّا، كما يمكن للعصراني أن يظهر سلفيًّا وللسلفي أن يغدو عصرانيًّا، وهكذا… كل هذه التحولات والظهورات المتباينة تجري خلال لحظة زمكنية واحدة. فإسلامية الماركسي لا تفصلها أية زمكنة عن ماركسيته الأصلية، وسلفية العصراني لا تفصلها أية زمكنة عن عصرانية الأصلية، وهلمّ جرّا… وذلك وفق حضور وغياب نمطين متناقضين بالتناوب.
وبذلك نلحظ عدم وجود اتّساق ذهني بين الفكر والمزاج من حيث أن الحالات المتتالية تباعًا تخضع لنوع من المزاج الفكري النّاشئ عن خلل في التوازن النفسي.
إن مشكلة ازدواج الشخصية لاتقف عند الحد الموضح سابقًا، بل يمكن لها أن تتعداه إلى حالة تعددية الشخصية (Pluralise de la personnalité)، لتنشأ عن ذلك ذهنية متقلبة قلقة تتخبط في فوضى عقلية – نفسية، تؤدي إلى تضاعف الخطورة الناشئة عن هذا الأنموذج من الذهنيات، فيما يخص سلوكه وانعكاسات هذا السلوك على الآخر. ووقتها يظهر صاحب الذهنية الفصامية التعددية قوميًّا حينًا، وماركسيًّا حينًا آخر، وإسلاميًّا حينًا ثالثًا وشوفينيًّا، وهلمّ جرّا… لنصل بذلك إلى صنف ذي درجة متقدّمة وهو الدّيناصور التعدّدي (Le dinosaure pluraliste).
10. الديناصور العصراني «الغربوي» والديناصور الأصولي – السلفي «الشرقوي» (Le dinosaure moderne et le dinosaure ancestral)
«القلب للشرق والعقل للغرب!».. «روحانية الشرق وعقلانية الغرب!»…
الصيغة التوازنية التي يعتمدها الصنفان «العصراني والسلفي»، وهذا ما دفعني إلى إدراجهما في صنف واحد على رغم تضادّهما شكلًا ومضمونًا من حيث المبادئ النظرية الأساسية. إلا أنهما – في الحقيقة – ينتميان إلى ذهنية واحدة، وإلى منهج واحد في التفكير. تعتمد هذه الذهنية على مبدأ الطبائع الثابتة (Les natures stables)، وينطلق منهج التفكير من قاعدة الصفات المتأصلة السرمدية.
من هنا تنقاد العقلية العصرانية بوعي زائف وباعتقاد وهمي ثابت وكوني فحواه: إن العقلانية والعلم والتقدم والتحضر والترقي، حكر على الغرب و«الغرب» فقط. وفي المقابل: إن التنغّم بألحان الربابة، والتمنع برائحة البخور، والراحة في الجلوس على الأرض، والروحانية والتصوف والزهد، حكر على الشرق و«الشرق» فقط. تقوم العقلية العصرانية على مركب نقص وعقدة دونية (Complex d’inférorité) تجاه الغرب، فحضارة الغرب بمفرزاتها كافة وبنتائجها الإنسانية واللاإنسانية، تهيمن على هذه العقلية التي تحاول بدورها الانقياد لهذه الهيمنة والخضوع لها قلبًا وقالبًا، ثمّ ترفض الشّرق الذي تراه متخلفًا ومنسلخًا عن العصر. ولا بدّ لي من التوضيح بأن ما أقصده بالذهنية العصرانية يختلف اختلافًا جوهريًّا عن «الذهنيّة العصريّة» التي تعبّر عن الالتصاق بروح العصر دون قطيعة مع الماضي بمعنى آخر: إن الذّهنية العصرية تتمثل عصرها وفي الوقت نفسه تحتوي ماضيها «تراثها» وتتعامل معه وفق مناهج علمية تتبنّى التحليل والفهم العلميين للتّاريخ.
على الجانب الآخر يقف الديناصور السلفي الأصولي مقابلًا للعصراني، ومعتمدًا المبدأ ذاته الذي يعتمده العصراني «مبدأ الطبائع الثابتة»، إلا أن الرؤية من موقع السلفي تختلف، انطلاقًا من الذهنية السلفية التي تدعو إلى الرجوع إلى الأصل والأسلاف، والتي تريد أن تسحب ماضيها بمجمله وبأدقّ تفاصيله على حاضرها وعصرها، بمعنى ثانٍ هي تُحتوى بماضيها وتنسلخ عن عصرها ملهَمَة بأملها في الحفاظ على روحانية الشرق وتصوفه وتلقائيته اللاعقلانية، من خلال تحويلها لهذه الصفات إلى مقدّسات وثوابت ألوهية يجب الخضوع لها لأنّها الكمال المطلق في كل زمان ومكان.

11. الديناصور التوفيقي (Le dinosaure conciliatoire)
ليس من المفاجئ «في ظل النقائض والأضداد من العقليات» أن تبرز على ساحة الصراع عقلية تصالحية تخصّ نماذج من الديناصورات المرجئة التي تحاول التوفيق والمصالحة فيما بين النقائض أولًا، وفيما بين الأطراف المتنازعة ثانيًا، لذلك فهذه النماذج تدعو إلى الأخذ بالوسط في الأمور والأشياء كلّها، وإلى التوليف والتوفيق بين مسائل متضادّة من المستحيل اجتماعها، غير أن هذا النموذج من الذهنية لا يعرف المستحيلات، فهو يدعو لأخذ ما يناسب من «كذا» ولانتقاء ما يلائم من نقيض هذه الـ «كذا» بحيث يتم استخلاص مزيج سحري قادر على إرضاء الأطراف كافة.
عبر ذلك يتبدى الديناصور التوفيقي في حِلّ من أي معيار أخلاقي لقياس التصرّفات والسلوكيات البشرية، وعليه فإنه يظهر انتهازيًّا وصوليًّا (Machiavélique) يمارس نوعًا من التهذيب المفتعل ونوعًا من الإصلاح النبويّ من خلال الالتفاف حول لبّ النزاع وأساسياته بأسلوب ديماغوجي للوصول في النهاية إلى صيغة تلائم المتنازعين والمتصارعين جميعهم، ومما لا شكّ فيه أن هذه الصيغة لا تعبّر إلاّ عن نوع من الموقف التنازلي اللّاإرادي «القسري» تجاه الإيجابيات تحديدًا، فهي – أي هذه الصيغة – في واقع الأمر صورة تجميلية أو تزينينة للسلبي من الأمور تحاول الالتفاف والتمويه على التنازل القسري تجاه الإيجابي، ليظهر الديناصور التوفيقي ختامًا في سحنة المصلح المتفاني والواعي لحقيقة كلّ الأطراف ونزاعاتها.

12. الدّيناصور الموضويّ (Le dinosaure à la mode)
حرصًا منّي على الابتعاد عن أي لبس في التسمية يمكن أن يحصل عن طريق الخلط وعدم التفريق بين الدّيناصور الموضوي والدّيناصور العصراني لا بدّ لي من التأكيد على الفرق الجوهري بينهما، فذهنيّة العصراني تنبني كردّ فعل على عقد النقص المتراكمة لديه تجاه الغرب المتقدّم، أمّا في ما يتعلّق بذهنيّة الموضوي فإنّها تنبني كردّ فعل «انتهازي – وصولي – انهزامي» على الحالة السائدة ضمن الواقع المحيط بصاحب هذه الذهنية.
تقوم الذهنية الموضوية على آلية محددة ثابتة (Automatixe stable) من حيث المبدأ، وتتغير بتوال زمنيّ وفق الصيغ التي تتخذها، وهي تنشأ من صلب الحالة السائدة في الواقع المحيط، وللردّ على هذه الحالة في الوقت ذاته. ومن هنا فإن صاحبها يمارسها ويبنيها وفق ما يقتضيه التيار وباعتبار رئيسي للشائع والسائد في المجتمع بضيقه واتساعه وبما يحتويه من علاقات متنوعة ومتعدّدة. وبذلك يتبدّى هذا الأنموذج أنموذجًا من أكثر النماذج انتهازية ووصولية وحتى انهزامية ودونية، وبذلك فليس مما يدعو إلى العجب أن نراه يسير وفق المبدأ الماكيافيلّي (Machivaélisme)، ممّا يظهر هشاشته من خلال البنية «النفسية – العقلية» اللّامتوازنة وغير المستقرّة.
في ظلّ هذه الأجواء لا يمكن أن نُفاجأ إذا ما وجدناه يطلق شعارات الحرية والعدالة والمساواة مرة، ويصبح ماركسيًّا متشدّدًا مرة أخرى، وقوميًّا متعصّبًا مرة ثالثة، وشوفينيًّا مرة رابعة، وإسلاميًّا، وأصوليًّا متطرفًا، ومذهبيًّا، او مندّدًا بكل الآيديولوجيات داعيًا إلى زمن اللاآيديولوجيا، وهلمّ جرّا…. لا يمكن أن نفاجأ – في الحقيقة – لأنّه من الطبيعي أن تنتج عن هذه البنية الذّهنية – النفسية مواقف متنوعة ومتعدّدة وأفكار وآراء مختلفة ومتناقضة لأنها مرتبطة أولًا وآخرًا بالتيار السائد وبالموضة الـ «سيااجتصادية» الرّسمية في الواقع المحيط بها.

ثقافتنا… ثقافة أزمة أم أزمة ثقافة؟
لا يكفي أن ندّعي بوجود أزمة معينة تعانيها الثقافة العربية وحسب من قبيل الانسياق مع تيار درجت عليه بعض الأوساط الثقافية؛ إنما يجب النظر بتمعن وتدقيق في هذه الأزمة من حيث الظروف الموضوعية التي أنتجتها، العامة منها والخاصة على حدّ سواء، ومن حيث دوافعها ونتائجها والمعطيات التي عملت على خلقها.
فإذا كان واقع الوضع الراهن للثقافة العربية يفرض نفسه علينا بقساوة «بإيجابياته وسلبياته، وبظاهره وجوهره» فإنّه لمن الخطأ الكبير تبنّي النظرة المتمثلة بأنّ ثقافتنا في ألف خير، أو تبنّي النظرة المضادة المتمثلة بأن «ثقافتنا هي ثقافة الأزمة أو أزمة الثقافة وفقط»، لأن تبنّي إحدى النظرتين لن يعبر إلا عن رؤية قالبية أحادية للمسألة (Vision dogmatique).
وفي واقع الأمر ليست النظريتان المذكورتان – رغم تضادّهما الشكلي – سوى نظرة واحدة تعبر عن التهرب من مواجهة الأزمة التي تحيق بمجتمعاتنا وثقافتنا، لأن القول بعدم وجود أزمة أو بوجودها وكفى، لن يعبر عن موقف محدد وواضح تجاه الوضع الراهن للثقافة العربية.
من هذا المنطلق يمكنني أن أدعي بوجود أزمة حقيقية تعانيها ثقافتنا ترتبط ارتباطًا وثيقًا بمنتِجها «المجتمع» وتنعكس فيه في الوقت نفسه، بمعنى آخر: إن ما أريد التأكيد عليه هو أن إقامة شرخ فاصل بين الثقافة وبين منتجِها «المجتمع» سيؤدي بالضرورة إلى طريق مسدود في عملية اكتشاف جوانب المشكلة. فالمشكلة الأساسية لا تكمن في الثقافة كشكل من أشكال النشاط الاجتماعي الواعي، ولا في الفاعلين ضمن هذا النشاط «على نحو مستقل»، وإنما تتعلق بادئ بدء بسيرورة العمليات الاجتماعية الاطرادية (Le processus social) القائمة في المجتمع ككل، والمسؤولة عن إنتاج طريقة تفكير هذا المجتمع وطريقة تفكير الفرد كجزء من هذا المجتمع، مرتبط به ومتفاعل معه، ويشكل الوحدة الرئيسية المتكررة له في صيغ من العلاقات الاجتماعية (Les relations socials).
بمعنى أصرح: إن طريقة تفكير الفرد هي في النهاية نتاج لهذه السيرورة وبمعناها العام «سيرورة العمليات الاجتماعية – السياسية – الاقتصادية (Les processus socisl, politique et économique)» مهما امتلك هذا الفرد من أدوات ومعطيات ومهما أتاحت له الظروف من مقومات للخروج من هيمنة مجتمعه عليه. إلاّ أن الجدير بالذكر، تفاوت هذا التأثير من فرد إلى آخر تبعًا لتلك الأدوات والمعطيات والظروف. وبكلام مختصر: إن الأزمة التي تعيشها ثقافتنا هي في الحقيقية أزمة مجتمع شكلت دافعًا أساسيًّا لخلق ما يسمى بأزمة ثقافة الأزمة.[6]
من هنا أعود لأذكّر بأنني أعتقد أن المشكلة تكمن في طريقة تفكير مجتمعاتنا وفي ذهنيات هذه المجتمعات، وهذا ما ينعكس بوضوح على ثقافتنا بمجملها. وعلى هذا الأساس قمت بمحاولتي في تصنيف أولي لطرق التفكير السائدة والذهنيات الدّارجة في واقعنا؛ وفي الحقيقة إن ما قمت به لا ينسحب على رجالات الفكر والثقافة وحسب، وإنما ينسحب على شرائح مجتمعنا وطبقاته وفئاته «أفرادًا وجماعات» كافة، ومحاولة التصنيف هذه لا تهدف إلى تبسيط الأزمة واختصار أسبابها في سبب وحيد هو الذهنيات السائدة، ولكنّها عملية توضيحية تحليلية للسبب الأساسي والأوّلي لهذه الأزمة، وهي بذلك الخطوة الأولى والضرورية لمواجهة الحقيقة والواقع المعيشين.
إنّ الذهنيات المصنفة حاضرة فينا وبيننا، في لحظة ما أو في اللحظات جميعها، في مكان ما أو في الأمكنة جميعها، تظهر مفردة أو مجتمعة، دائمة عند البعض ومؤقتة عند البعض الآخر ومعدومة عند القليل. كل ذلك يدفعنا إلى طرح السؤال التالي: كيف ومتى يمكن لنا أن نجاوز الانجراف بها ومعها؟… سؤال جدير بنا أن نطرحه دائمًا وأبدًا، وأن نقوم بالمحاولة إثر المحاولة لتحديد الإجابة عليه وحصرها حتى نحقّق تفكيرًا مغايرًا ومتفوّقًا.


هوامش

[1] أرجو ألّا يفهم من كلامي أنني من أصحاب تيارالعصرنة أو الغربنة القائم على مركبات النقص تجاه تكنولوجيا وحضارة الغرب، فأنا اعني بروح العصر الحضارة التي وصلت إليها الإنسانية بمجملها والمستوى الذي وصل إليه العقل البشري من تطور وفق التفكير العلمي المطّرد، وهذا يعني بالضرورة أنّ روح العصر بالنظر لما أسلفت تحتوي الماضي وتضمه في مخزونها الخبراتي بمعنى آخر: لست مع إقامة قطيعة مع «الماضي ـ التراث»، وإنّما أرى أنّ الالتصاق بروح العصر هو شرط أساسي للتعامل مع التراث كجملة متسلسلة من التبادلات التراكمية الخبراتية «الكمية والكيفية على حدّ سواء» للماضي والحاضر والمستقبل.
[2] إنّ طرق التفكير المعنية لا تخصّ المشتغلين  في الثقافة وحسب، بل إنّها أيضًا تخصّ جميع شرائح المجتمع وطبقاته وفئاته على اختلافها وتفاوت مستوى وعيها ووعي كلّ فرد ينتمي إليها، بمعنى: إنني هنا أناقش نواتج سيرورة العمليات «الاجتماعية ــ السياسية ــ الاقتصادية» الاطّرادية (Le processus social, politique, économique) على طريقة تفكير الفرد والجماعة؛  وذلك من خلال عينات تصنيفية لطرق التفكير هذه.
[3] الديناصورات (Les dinosaures) زواحف ضخمة ظهرت منذ «260 مليون سنة» في الدّور الثلاثي أو الترياسي (La période triasique) من الحقب الجيولوجي الثاني الذي امتدّ حوالي «200 مليون سنة»؛ ثم انقرضت في الدّور الطباشيري أو الكريتاسي (La période crétacique) من الحقب نفسه، منذ حوالي «65 مليون سنة»، وهي في الحقيقة لم تنقرض من حيث المعنى الرمزي الذي اتخذناه لطرق التفكير السائدة.
[4] ليس القصد هنا تمييع القضية وتبسيطها إلى حدّ إلغاء أي هدف صهيوني – إمبريالي في منطقة الشرق الأوسط والوطن العربي، وإنما أريد هنا أن أناقش التبسيط المعكوس إلى حدّ السذاجة المرضيّة، بمعنى آخر: أريد أن أوضّح الأخطاء الجسيمة والأوهام الخطيرة المبنية على أساس تعليق كلّ ما يصادفنا من ضوائق ومحن وحتّى من تافهات المسائل على «روزنامة» المؤامرة الصهيونية – الإمبريالية – الاستعمارية ضد الأمة العربية.
[5] إيشعياهو ليبوفيتش، «من الإنسانية إلى الحيوانية»، مجلة «الكرمل»، العدد 38/1990.
[6] إن العمليات الاطّرادية الـ «سيااجتصادية» في المجتمع لا يمكن أن تقاس من حيث الزمن بعمر الأفراد، وفي الواقع ليس من السهل تغيير تفكير المجتمع  بكامل مكوناته وفعالياته، ومن هنا ابتعدنا عن القيام ببحث هذه العمليات لكونها تحتاج إلى بحث مستقل بذاته، وآثرنا البحث في نواتج ومفرزات هذه العمليات في واقعنا الاجتماعي العربي.
المصدر: قراءات

  • تعليقات المدونة
  • تعليقات الفيس بوك

0 التعليقات:

إرسال تعليق

Item Reviewed: الذهنيات السائدة: خضوع للتيار.. وانسلاخ عن العصر! Description: Rating: 5 Reviewed By: تنوير
Scroll to Top