اسراء إرادة
حين تتم بلورة المقدس،لإشعاع خيوط سحرية من شأنها تحقيق الإخضاع و الطاعة ، لما هو مراد من قِبل أولئك الذين نسجوا لأنفسهم قناعاً إلهي ، يوهب لهم الإرادة المطلقة في تحويل قطاع
من البشر إلى آلة تطيع و تنفذ فقط ، و كأن الأمر يأتي من آلهة و ليس من بشر مثلهم
استخدموا عليهم سلطة المقدس واخضاعهم ، في تاريخ الإنسانية ، لا نجد مقدس واحد وجد
دون استغلال من قِبل جميع السلطات الممكنة و المتاحة في كل زمن، و أكثر المقدسات
التي تم استغلالها بشكل لا نظير له ، هي المقدسات الدينية و استخدام الكتب المقدسة
في تطويع البشر و تحليل ماهو غير مرغوب و جعله آية سامية واجبة النفاذ من أجل
إرضاء الرب.
و هذا الأمر ليس وليد اليوم ، فتاريخ البشرية حافل بإستغلال المقدس ، فالأمر له جذور
تاريخية بعيدة المدى سواء في التاريخ الإسلامي أو الغربي.
و إذا بدأنا بالتاريخ الإسلامي ، فنجد أن هذا الإستغلال للمقدس قد بدأ منذ أحداث الفتنة
الكبرى بين "علي" ومعاوية" و موقعة صفين ، حيث جيش معاوية متمرداً
علي الإمام "علي" . وحين أدرك معاوية و عمرو بن العاص في لحظة ما من المعركة ان جانبيهما سيكون المنهزم ، أمروا الجنود برفع المصاحف علي أسنة الرماح و ترديد عبارة "لا حكم إلا لله "
،وكانت نتيجة هذه الخدعة الماكرة،هو حدوث انشقاقات في صفوف الإمام علي ، بين مؤيد
لتحكيم "كتاب الله" وبين رافض لتلك الخدعة. وهنا كان رصد بدايات ربط القرآن بالسيف علي يد معاوية وجيشه ، وأن يكون المصحف أداه و سلطه لتحقيق الإخضاع و الإجبار السياسي العسكري. و إذا ذهبنا إلى عبد الملك بن مروان الذي بدأ حكمه بخطبة يهدد فيها الناس في جبروت وطغيان ، والمصحف علي يمينه و السيف علي يساره ليقول : "إنتبهوا أيها الناس،
فكن كان قبلي كان يعمل بهذا (مشيراً إلي المصحف) و الآن غاب هذا و حضر ذاك (مشيراً
إلي السيف) ". بما يعني أنه لا يقبل اي معارضه أو إختلاف ، وأن من يجرؤ علي ذلك و لم يخضع بالقرآن سيتم إخضاعه بالسيف قتلاً و تمثيلاً ، فإما الطاعة أو الهلاك. فكان المصحف و السيف بديلان متأزران ، فإن قام المصحف بوظيفة الإخضاع كان بها ، و إن لم يستطع فيتم إستخدام السيف للقهر بذريعة الدفاع عن المصحف. و للأسف هذه الممارسات في التعامل مع القرآن مستمرة حتى الآن ، ولعله لا يخفى علي أحد دلالة وجود صور السيوف علي أعلام بعض الدول ، و صورة القرآن متعاضداً مع السيف في شعارات بعض جماعات الإسلام السياسي.
هل لغة المقدس و
السيف صهيونيه كذلك؟!
ليس من الغريب ان
يكون مذهب الربط بين النص المقدس و السيف هو مذهب الحركة الصهيونية، فدولة إسرائيل
قد قامت كلياً علي أساس ديني ،ويقولون عن موسي أنه أُنزل عليه التوراة و السيف ، و
أصبح لديهم حلم أرض الميعاد "مقدس “من أجل تحقيق حلم سياسي و عسكري ذو جوانب وحواف
دينيه فهي (أرض الرب).
و بذلك تحولت التوراة
و ما يحويها إلي أهداف سياسيه و عسكريه ، علي الرغم من أن المعني الحرفي لكلمة
"توراه" في العبرية هو التعليم و التوجيه!!.
و التعليم من أهدافه
الإصلاح و ليس الإفساد و الطغيان شأن السياسة و العسكرة، و لكن هكذا يتم تطويق المقدسات
من أجل أهداف أخري.
أما عن التاريخ المسيحي
، فالكل يعلم ما تم من مظالم في العصور الوسطي تحت لواء الكنيسة بدعوي التفويض الإلهي
للبابا "ظل الله علي الأرض" ، و لم يكن أباطرة ذلك العصر سوي عرائس راقصه
في أيدي رجال الكنيسة يتراقصون بهم يميناً و يساراً ، محققين بهم مطامعهم الإقطاعية
مقابل مساعدتهم في السيطرة علي عقول الفقراء بأن الدنيا فانية و أن لهم الجنة و ملكوت
السماء ، و من ثم إجهاض رغبتهم في الثورة و التمرد علي ما يقع عليهم من ظلم و طغيان
و بذلك قد لعبوا دوراً خطيراً في تخدير مشاعر الفلاحين المستعبدين عند الإقطاعيين.
و لم يتم ظلم الفقراء
عند هذا الحد فحسب، بل قام رجال الكنيسة بدس أيديهم في جيوب الفقراء و سرقتهم علناً
، و بكامل إرادتهم ، من خلال صكوك الغفران.
و تم استخدام الفكر
الأُحادي ومن يخالفه فقد خرج عن الكنيسة و يحكم عليه بالهلاك. و أقصد بالفكر الأُحادي
هو عدم تقبل التعدد و فرض الرأي الواحد مثل فرض عقيدة التثليث مثلاً.
هكذا تم استخدام
مقدسات المسيحية في السيطرة لقرون طويله و هذا الاستخدام مازال يمارس حتي الأن و لكن
بأشكال مختلفة ، فنجد الحزب المسيحي في ألمانيا و دولة الفاتيكان و مثل هذه الأمثلة
الكثير والكثير في استخدام المقدس بصور شتي في جميع بقاع الأرض.
0 التعليقات:
إرسال تعليق